ليس هناك شك أن المنطقة العربية تمر اليوم باضطرابات عديدة، بعضها نتيجة للثورات العربية والأخرى طارئة، ولجميعها تأثيرات مباشرة على الأردن. فالأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة حيث بات واضحا الآن أن الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه باقيان لبضع سنوات، على الأقل، ريثما يتم التحضير لمرحلة ما بعد الأسد باعتبار أن الرجوع لمرحلة ما قبل الثورة السورية بعد مقتل أكثر من نصف مليون شخص أمر مستحيل. يعني هذا أن التبادل التجاري بين الأردن وسورية وعبرهما سيبقى متوقفا للمدى المنظور. كما يعني ذلك أيضا أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين ستبقى متواجدة على الأراضي الأردنية لسنوات قادمة، ما يستدعي تخطيطا استراتيجيا يتعدى سد حاجات اللاجئين الإنسانية وبعض حاجاتهم التنموية.
أما الأزمة الحالية مع إسرائيل بسبب محاولتها فرض سيادتها على المسجد الأقصى عبر تركيب بوابات إلكترونية في المداخل المؤدية إليه، وأيضا بشأن قتل مواطنين أردنيين، فليست هي الأولى وقد لا تكون الأخيرة. لقد دخلنا مرحلة جديدة مع إسرائيل بات فيها واضحا أنها تتعامل معنا ومع الجانب الفلسطيني بشكل عدائي لا يوحي برغبتها في إنهاء الاحتلال، وإن لذلك تبعات عديدة ومقاربات جديدة ليس أقلها اتفاقية الغاز الإسرائيلي طويلة الأمد وسيئة الذكر.
أما الخليج؛ فإنه يمر اليوم بمخاض ينبئ بولادة مرحلة جديدة تختلف فيها العلاقات الخليجية والإقليمية عن تلك التي كانت تحكم دوله سابقا. فالخلاف بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى مرشح للاستمرار فترة طويلة، لأنه يتعدى الشروط التي وضعت على قطر، فهناك اختلافات جذرية في السياسات لن تحل بهذه البساطة، وقد تمتد لتشمل دولا خليجية أخرى، ولجميعها انعكاسات سياسية واقتصادية علينا.
كما يبدو أن العلاقة التقليدية بيننا وبين المملكة العربية السعودية دخلت مرحلة جديدة، بعضها يتعلق بانتقال الحكم في السعودية إلى جيل جديد له مقاربات تختلف عن الجيل القديم، والآخر يتعلق بالشأن الاقتصادي، حيث باتت واضحة الآن تداعيات انتهاء الحقبة النفطية من التوقف عن مساعدات دعم الخزينة وتراجع حوالات العاملين في الخليج، ما يستدعي أيضا تعاملا مختلفا مع هذه المستجدات.
لا يستطيع أحد أن ينكر ضخامة هذه التطورات التي تأتي لتضيف تحديات سياسية واقتصادية جديدة إلى التحديات التي نواجهها، ولكن حجم التحديات الكبير لا يجوز أن يكون ذريعة لإبقاء المقاربات التقليدية للسياسات الأردنية كما هي. لقد دخلنا مرحلة جديدة تتغير فيها العلاقات السياسية وتنحسر الأدوات المالية القديمة التي كانت متوفرة لنا عبر المساعدات النفطية. هذا يعني بالضرورة إعادة تقييم جذري لسياساتنا وأدواتنا باتجاه الحوار والتوافق الداخلي، وأيضا باتجاه استبدال الأدوات المالية التقليدية بسياسات تعظم الإنتاجية وتتجه نحو مصارحة الناس وإشراكهم في الحلول والاعتماد على النفس.
أدرك أن كل هذا ليس سهلا، ولكنني أزعم أننا لا نستطيع الاستمرار في إدارة الدولة بالطرق القديمة. لم يعد لدينا الأدوات التي كانت تتيح ذلك. كلي أمل أن هناك مطبخا يطرح هذه التحديات ويدرس مقاربات جديدة بشكل جدي، وللحق فعملية صنع القرار على هذا المستوى ليست واضحة اليوم. فالمنظور الأمني وحده، ودون التقليل من أهمية المخاطر الأمنية التي تحيط بِنَا، غير قادر على إيجاد الحلول للتحديات المذكورة أعلاه.
حان الوقت لإدارة الدولة بشكل يتخطى المعالجة بالقطعة ليضع إطارا جديدا لدولة حداثية مستقبلية يستطيع تحويل الأزمات إلى فرص، إطار عماده مؤسسات راسخة وأسلوبه التشاركية في صنع القرار وتوسيع قاعدته، وفلسفته الاعتماد على النفس وإطلاق طاقات المواطن الكامنة. قد يبدو هذا الكلام طوباويا، ولكنني أزعم أنه أصبح ضرورة لأي مستقبل واعد.