عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب- ما زال الرئيس محمود عباس يحدو ركب شعبه ويعلق الجرس ويستجيب للنبض الحيّ لشعبه ويعتمد الرؤية المبصرة، وما زال يقارع الاحتلال ويحمي شِباك الملعب الفلسطيني, الذي تحاول اسرائيل أن تتسلل إليه بالارهاب والعنف وتشويه صورة الفلسطينيين ، وما زالت تتوسل ذلك باساليب دعم الانقلاب الذي قادته حماس وفتاوى شيوخها وقادتها الذي يستعدون على صمود الشعب الفلسطيني, ويستدرجون الاحتلال لمزيد من البطش دون أن يحاسبوا على افعالهم وما جرته على الشعب من مآسي.
في اللحظة الحاسمة يغيب المزايدون ويدفنون رؤوسهم في الرمل, ويتحدثون عن الانضباط على الحدود وعلى تفويت الفرصة على العدو بمزيد من الصمت ويحرمون على معارضيهم ما كانوا يبيحونه لانفسهم, حين كان هدفهم الاسمى ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية والاستعداء عليها وجعلها هدف سائغ للعدو..
خطاب الرئيس ابو مازن الذي علقت عليه حماس بسلبية قطع الطريق عليهم بشجاعة مضمونه وبانحيازه الواضح لشعبه واتخاذه والاجراءات المناسبة في الوقت المناسب وبما يخدم المصلحة الفلسطينية.
العقلانية الفلسطينية لا ترى” العج” عقل” وانما ترى ان العقل هو وسيلة قيادة الشعب الذي يفهم المزايدات ويفهم المناقصات.. وكما قال لينين “أمس مبكر وغدا متأخر واليوم هو الموعد” .. وهذا ما فعله الرئيس ابو مازن وهو يتابع طاقات شعبه في القدس التي أدرك الاسرائيليون أنها تحكم من الشعب الفلسطيني وان الاحتلال واهن ان اعتقد للحظة أنه ينزع ارادتهم أو ثنيهم في الدفاع عن مقدساتهم . فاسرائيل الان وفي هذه اللحظة هي عند الرئيس عباس سلطة احتلال كما وصفها في خطابه الذي استعمل فيه اوراقه بمهارة حين أمر بوقف التنسيق الامني الذي يسيل لعاب حماس في غزة للإنخراط فيه وان تكون هي البديل فيه حتى يبقى “الحيّة ” وامثاله يقودون هذا الشعب الصامد الى الفناء والى مزيد من التجارة في قوته اليومي بعد أن تحول اقتصاد غزة الى اقتصاد انفاق وجباية وخاوات.
هذه لحظة الحقيقة والرئيس عباس يوقف التنسيق الأمني الى ان تدرك اسرائيل خطأ مواقفها التي أرادت فيها اختبار ارادة الفلسطينيين في القدس, وفي المسجد الأقصى ، فقامت عليهم القيامة الفلسطينية والتي بدأت تؤتي ثمارها في تراجع سلطات الاحتلال بعد أن أدركت أن لعبة عض الأصابع لن يقول الفلسطينييون فيها “أخ” أولا, وأنها ستجد نفسها باحتجاجاتهم المدنية والسلمية واصرارهم على دخول مسجدهم بإرادتهم غير قادرة على انفاذ مخططاتها التي تورطت فيها بعض الانظمة العربية من التي بدأت تقايض كل مقدس وشريف في هذه الامة مقابل الرضى الاسرائيلي والبقاء في الكرسي..
كنّا حذرنا منذ فترة من مخاطر الخروج على القيادة الشرعية الفلسطينية ومنهجها ومن ظاهرة زراعة نباتات مهجنة في الشرفات اراد زارعوها ان ينقلوها الى الارض الفلسطينية حين تبنوا دحلان الذي يختفي الان أمام هبّة الشعب الفلسطيني في القدس كما فص الملح الذي يذوب ، فهو يريد أن يحكم شعبا مستسلما أمام ضغوط المال الأسود العربي وأمام تآمر الاجهزة التي لا تؤمن بالدفاع عن التراب الوطني والمقدسات, بل عن انظمة ما زالت تخوض حروب “داحس والغبراء” وتفتي بما يغضب الله ورسوله والمسجد الأقصى.
يدرك الرئيس ابو مازن أن الشمس العربية ما زالت غائبة, وأنها تشرق على حروب وصراعات داخلية وأن الذين يستمتعون بها هم على شواطئ أجنبية ، ويدرك أن القيامة العربية لم تقم بعد وأن عليه أن يحمي البرج الفلسطيني وما فيه من حمام بكل الوسائل الممكنة من الثعلب الصهيوني المتربص الى ان تقوم هذه القيامة ولذا كان خطابه واضحا واجه به الجرح الفلسطيني في الاقصى ليعيد إلى شعبه نشوة الصمود والصبر والكفاح مؤكدا للقاصي والداني أن القدس عاصمة فلسطين رضي من رضي وغضب من غضب، وأنها ليست العاصمة الأبدية لاسرائيل وان الامتحان الذي زج نتنياهو نفسه فيه لارضاء اليمين الاسرائيلي المتطرف سيسقط فيه بارادة الشعب الفلسطيني, وأن اليمين الاسرائيلي سيلفظ هذا الكذاب ويرمي به فاسرائيل التي جرى عسكرتها حتى الانياب واستبدلت قيادتها التاريخية بمثل هؤلاء المصابين بالرعونة والعمى السياسي لن ينقذوا صاحبهم الذي عرته وفضحته واثبتت عجزه ارادة الشعب الفلسطيني والموقف الدولي المتناغم مع هذه الارادة.
في عواصم العالم في لندن وباريس واستكهولم واوسلوا وعديد من العواصم الاجنبية التي تدفقت الى الشوارع انتصارا للقدس وأهلها وادانة للنظام العنصري والابارتيد الذي يعتدي على المصلين ويمنعهم ويحجر على مسجدهم .
اسرائيل الان في مأزق ولن تقوى على استمرار خططها والذين اوهموها أنها قادرة انما سيجعلون نتنياهو ضحية .. واسرائيل التي تهرب للأمام من قرار مجلس الامن الاخير الذي استعملت فيه الولايات المتحدة الامتناع عن التصويت والذي يعتبر الاراضي الفلسطينية عام 1967 محتلة بما في ذلك القدس ويدعو للانسحاب منها هذا الموقف الدولي يجري تجسيده الان بحيوية الشعب الفلسطيني وشجاعة قيادته التي يينعقد مجلس الامن مجددا بفعل صمود شعبها وبفعل توظيفها لهذا الصمود وحرصها عليه وتحويله الى قرارات ستجد يوما ما طريقها الى التنفيذ طالما بقي هذا الشعب الفلسطيني بهذه الروح وهذا الاصرار.
نعم لا مجال للمزايدة على القيادة الشرعية الفلسطينية, لا بصواريخ لا تصيب ولا بخطابات عنترية لا تتعدى الالفاظ الانشائية, ولا برفع اعلام دول عربية مختلف عليها يجري رفعها بالأجرة في مسيرة الدم والصمود والنضال، لقد اثبتت التيارات الاسلامية السياسية ” الاسلام السياسي ” أنه ليس أمينا على قضية شعبنا وأنه يسهل توظيفه وشراء ذمم القائمين عليه فهم في المعركة الحقيقية يصمتون وفي الزارات والاحتفالات التي تكرس الانقسام يبرزون بروز الثعلب في ثياب الواعظين.
نعم الرئيس ابو مازن يجمد الاتصالات مع سلطة الاحتلال ويقول ذلك بملء فيه في حين يواصل اعلام النعيق المأجور الدس والقول أنه جاء الى فلسطين من زيارته في الصين باستدعاء اسرائيلي لقطع زيارته. ويكذبون ثم يكذبون ويعادون قيادة شعبهم بعد أن اغرقوا هذا الشعب في خلافات داخلية وعربية ومواقف لا تقدم في نضاله شيئا..
الرئيس عباس يقتطع (25) مليون دولار من ميزانية السلطة التي يرفض وضع اشتراطات عليها لتقديمها لصمود القدس بدل أن يرسلها الى امراء الانقلاب في غزة والذين خطفوا أهل غزة وجعلوا منهم دروع بشرية يسهل قصفها ليموت الاطفال مجانا وتبقى اللجنة الادارية و قادتها الاشاوس يحرضون على القتل.
صحيح أن الرئيس دعا الى عدم الاستمرار في شن الحملات الاعلامية والى العمل على المصالحة والى اشتراط حل اللجنة الانقلابية المسماة بالإدارية والتي تحرص اسرائيل على بقائها لتخلق مخلوقا فلسطينيا مشوها برأسين ولكن ليسمح لي الرئيس عباس أن اقول أن دعوته المقدرة لن تنسحب علينا نحن الذين نرى ما يجري ولن نسكت عليه لأن الساكت عن الجريمة شيطان أخرس. رضي من رضي وغضب من غضب. حتى اولئك العرب الذين نذروا اموالهم للتدخل في الشأن الفلسطيني كسباً للرضى الاسرائيلي وسخروا فتاوى شيوخهم لتخرج بها فتواهم عن بيضة الاسلام وتصنفهم في مربع الرويبضات وهم يتحدثون عن النضال و الصمود
يخرج علينا من علب الليل من يعظ في النضال الفلسطيني ومن يريد تصميم قيادة جديدة للفلسطينيين ومن يريد اعراب الجملة الاعجمية او يضع نقاط على حروف لتقلب المعاني الى فعل الرذيلة نعم يواجه الرئيس عباس البوصلة باتجاه القدس وهو الحريص على ذلك منذ بدأ النضال الفلسطيني في حائط البراق عام 1929 . ويوم قضى الشهداء الثلاثة الذين غنى لهم الشعب الفلسطيني على اسوار عكة : عندما خرجت جنازاتهم من سجن عكا . وها هي كوكبة من ثلاثة اخرين بعد ما يقارب القرن من الزمان يخرجون للدفاع عن الاقصى عن ترابه الفلسطيني دون ان ينتظروا من يريد الانتساب اليه ويواصل وضع رأسه في الرمل وحتى حين يجري تفقد المناضلين تختفي الصفوف و تصل الوقاحة حد الافتاء بأن مسألة المسجد الاقصى مسألة داخلية اسرائيلية وهؤلاء المفتين نتركهم لشعوبهم كي تدفنهم احياء في المزابل لأنهم يعيبونها ويعهرون ما تبقى لها من انتساب عربي .
الرئيس في اللحظة الصعبة لا يزايد بمواقفه على احد ولكنه يراها فرصة مناسبة ليطرح المصالحة الوطنية المعمدة بالصمود في القدس ويدعو الى حوار مع حماس قد يتجاوز اسماع المراهقين و متعطشي السلطة فيها وتظل هذه الدعوة برسم إلتقاط بعض قادة حماس الذين نحترمهم وعلى رأسهم خالد مشعل الذي يتجاوزه المزايدون.
أمام صمود المقدسيين وتضحياتهم وامام الدروس التاريخية التي يقدمونها لشعبهم و للعالم وقد اعتقدت اسرائيل انها ببطاقاتها الزرقاء والملونة وبطاقات التأمين الصحي الاجتماعي قد اسرلتهم لتهويد أقصاهم و مدينتهم فإنهم اليوم قد خرجوا ليثبتوا انهم الاكثر صلابة والاكثر امساكا بالحقوق الوطنية الفلسطينية والاكثر التفافا حول القيادة الشرعية لشعبهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي عقدت مؤتمرها الاول في مدينتهم منتصف الستينيات من القرن الماضي ..
نعم لتوحيد الجهود من اجل القدس ولا كبيرة للخلافات والانقسام والهيئة الادارية التي تطعن وحدة الشعب الفلسطيني .ونعم للتبرع كل على قدر استطاعته فالقدس توحد والمسجد الاقصى يوحد ارادة الشعب الفلسطيني و يوحد العرب والمسلمين .و أمام جلال التضحيات الفلسطينية و دماء الشهداء والجرحى يدعو الرئيس ابو مازن لوقف الحملات الاعلامية ( فإذا صعد الشهيد الى الرقي واذا ما سالت الدماء في سبيل القدس فلاصلاة ولا كلام ولا مزايدة لأن البوصلة الفلسطينية يعيد الرئيس الآن توجيهها .
الرئيس عاد من الصين قد قطع زيارته من اجل القدس ولم تستدعه اسرائيل كما يعتقد اعلام الحية و الزهار ومن اسسوا للنفس الكرية في اللغة السياسية الفلسطينية ..
وهو بدعوته من داخل الاحتلال يدعو الى انعقاد قيادة الشعب الفلسطيني لتنظر في اسناد مواقفه الوطنية التي لا يزايد فيها على احد . فالقيادة الآن في امتحان حمايه المشروع الوطني الفلسطيني و تقرير المصير الذي يقرره صمود المقدسيين و من خلفهم شعبهم الذي خرج للدفاع عن نفس الاهداف ..
ولأن الرئيس قد وضع قضية شعبه على الخارطة الدولية و أبقى نوافذها مفتوحة على العالم الذي انتصر ومازال ينتصر لها في الامم المتحدة و كثير من المحافل الدولية فهو يخاطب الامم المتحدة الآن لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني الذي استوجب استمرار العدوان الاسرائيلي حمايته واستوجبت السياسات الارهابية الاسرائيلية أن يقف العالم لمواجهتها ..
وما قرار مجلس الامن الاخير ببعيد وما قرارات الامم المتحدة العديدة ببعيدة ايضا فالقيادة الفلسطينية الشرعية التي لم يلهيها التآمر او التدخل في شؤون الآخرين او التجارة عبر الانفاق هي في انعقاد دائم متفرغة لواجباتها الوطنية لتدير اشكال الصراع الكفاحي السلمي الفلسطيني الذي يقره العالم و يتضامن معه , وهي في اتصال مع القادة العرب من بقوا يقفون مع القضية وحتى مع اولئك الذين يريدون ان يدقوا في ظهرها مسامير اسرائيل ليعلقوا عليها الاستسلام ..
فالحقوق الفلسطينية المشروعة غير قابلة للتصرف وهي برسم ان تتحقق مهما طال الزمن و على العرب ان يترجموا مقولة (القضية المركزية الآولى لهم ) وان يبرروا لشعوبهم خذلان الاقصى و الصمت المريب على استباحته .. وفقدان رجولتهم أمامه في حين يكونوا كما قالت الشاعرة غزالة وهي تطارد الحجاج بن يوسف الثقفي في شوارع بغداد بعد صلاة العصر ” أسد علي وفي الحروب نعامة ” . نعم معظمهم اسود على شعوبهم ولا مجال لتكرار قائمة الاسماء ولكنهم نعامات أمام ما يحدث في الاقصى وما يقع في فلسطين . هؤلاء لا يستطيعون ان يحاربوا الارهاب ان لم يبدأوا بحرب ارهاب الدولة الاسرائيلية و ان بمواقف سياسية حقيقية او يصمتوا او يعيروا المناضلين سكوتهم بعدما اصبحت بعض المواقف الرسمية العربية عبئاً على القضية الفلسطينية و اضافة سلبية سوداء ..
خطاب الرئيس ابو مازن جاء في وقته ووضع النقاط على الحروف واعاد شحن ارادة شعبنا فالرئيس الذي نعرف مواقفه في كامب ديفيد الفلسطينية حين خرج الرئيس عرفات ليهاتف القادة العرب بخصوص القدس ..يومها كان موقف ابو مازن معروفا ” اجابوا ام لم يجيبوا نحن مع القدس .. ولن نتنازل ابدا ” يومها قال الرئيس عرفات اذن ليمشوا في جنازتي !!! .. واذا كان الراحل عرفات قد قضى وهو يردد الذهاب الى القدس و دعوة الاشبال القادمين و الزهرات القادمات إليها فإن ابو مازن لم يخرج عن دعوة الامساك بالقدس ابداَ وهو يراها خطاَ احمرا ويرى دونها “خرط القتاد” !!!!