ان رد الفعل الشعبي على إغلاق سلطات الاحتلال للحرم القدسي الشريف متوقعا. إنها النقطة الأكثر حساسية في الصراع العربي والإسلامي مع إسرائيل، وهي المنطقة الهشة التي تفصلنا عن حرب دينية لا حدود لها.
وفي مناخ كهذا تتسيد العواطف والمشاعر المنفعلة، وتتراجع سلطة العقل والمنطق. ولهذه الاعتبارات تحاول الأطراف المعنية إخراج الأماكن الدينية من دائرة الصراع، واحترام حق الناس في ممارسة شعائرهم الدينية، بعيدا عن جدلية الصراع وتداعياته.
“الأقصى” كان هذه المرة في قلب العاصفة وميدانا لمواجهة بين مجموعة فدائية فلسطينية وجيش الاحتلال، انتهت بإجراءات عقابية من طرف قوات الاحتلال، كانت بمثابة عقوبة جماعية لآلاف الفلسطينيين.
وجد الأردن، بوصفه الجهة المخولة بإدارة شؤون المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، نفسه في موقف صعب، وتحت ضغط شعبي مشحون لا يعرف بشكل واقعي حدود الدور الأردني المستمد أصلا من اتفاقية السلام مع إسرائيل.
إن أقصى ما تمكن الأردن من تحقيقه طوال السنوات الماضية هو المحافظة على الوضع القائم في المدينة المقدسة، لحين التوصل لحل للصراع يضمن قيام دول فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشريف.
المادة الخاصة بما بات يعرف بالولاية الأردنية “الهاشمية” على المقدسات في القدس صيغت بلغة أشبه ما تكون بقشرة رقيقة تغطي جبلا ضخما، لكن الأردن نجح في الممارسة بتصليبها، ومنحها قوة معنوية وأخلاقية بحيث لا تجرؤ إسرائيل على كسرها.
بيد أننا نخطئ التقدير إذا ما تجاهلنا حقائق الواقع. القدس بمقدساتها هى كسائر مناطق الضفة الغربية تخضع للاحتلال الإسرائيلي. وفي ظل حكومة جل طاقمها من الصهاينة المخبولين والمتطرفين، سيضيق هامش المناورة الأردنية كثيرا، خصوصا إذا ما كنا إزاء عملية استثنائية كالتي نفذها الشهداء الثلاثة في الحرم القدسي.
خارج حدود نصوص “وادي عربية” لا تحوز الحكومة الأردنية على أي نفوذ لحماية الأماكن المقدسة تحت الاحتلال. ينبغي أن ندرك هذه الحقيقة، ونحن نصرخ مطالبين الحكومة بإلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل.
هذه مسألة مزعجة -“ألطف تعبير يمكنني استخدامه”- ونحاول جميعا مداراتها، ومن لديه هنا في الأردن بديل واقعي وعملي يضمن حماية المقدسات غير المتاح حاليا فليتقدم به.
مواقع دينية كثيرة في فلسطين طمست معالمها تماما بعد أن خضعت لسلطة الاحتلال في عموم فلسطين التاريخية. الأماكن التي تحمل الأردن مسؤولية ولايتها هى التي حافظت على هوياتها، وبفضل هذه الحماية يتمتع ملايين الفلسطينيين بممارسة حقهم المشروع بالصلاة والتعبد بأكنافها.
لا يمكن لأي طرف أن يطالب الأردن بالاستمرار في دوره بحماية المقدسات، في ذات الوقت الذي نفرض نهجها منفردا في الميدان.
قال كاتب إسرائيلي قبل أيام في صحيفة “إسرائيل اليوم” المحسوبة على حكومة نتنياهو إن المهمة الوحيدة للدبلوماسية الأردنية هي تأليب حكومات العالم على إسرائيل وسيادتها. وجاء هذا المقال على خلفية الدور الأردني في منظمة “اليونسكو” لصالح مدينتي القدس والخليل، وتكريسهما إرثا فلسطينيا خالصا.
العالم العربي في غيبوبة، الأردن يكافح ليبقى يقظا، وليس قادرا على الاحتمال أكثر.