عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – نبحث عن سلطنة عمان .. عن دورها الذي كنّا نجده حين تدلهم الخطوب في الخليج وتبلغ الحلكة مداها و يسود الظلام و تغيب الحكمة ..
البعض كان يتندر حين كانت الدنيا ( قمرة و ربيع ) من فائض الجهد العماني الذي كان ينذره السلطان قابوس (شافاه الله وعافاه) لحل الكثير من المشاكل و المعضلات فقد ظل الحياد العُماني ايجابيا .. و ظلت عُمان تحتفظ بنفس المسافة بينها و بين كل دولة خليجية .
رأينا الدور العُماني في تقريب السعودية من ايران و في انقاذ مخطوفين و أسرى وفي توترات حدودية واقليمية, وفي محادثات الحدود بين دول الخليج وفي الوساطة اليمنية- اليمنية قبل هذه الحرب القائمة و رأينا دوراً عمانيا نزيها ما زلنا ننتظر زخمه ..
اليوم تبزغ في الازمة جهود الكويت التي لم تثمر حتى الان في تنفيس الازمة الخليجية بين قطر و جيرانها ممن قاطعوها، و يبدو أن أطرافا في هذا الصراع لا يريد لسلطنة عمان أن تلعب دورها التاريخي أو أن تعبر عن فهمها لمصالح مجلس التعاون الذي اعتبرت السلطنة أن أطرافا في المجلس حاولت أن تخطفه و أن تبعده عن القواسم المشتركة بين اعضائه في وقت مبكر منذ حوالي اربع سنوات حين كان اسلوب الهيمنة قد جعل عُمان ترفع صوتها و تنتقد الاسلوب الذي افضى لاحقا الى ما عليه دول المجلس الان من خلافات تهدد وحدة المجلس ومستقبله.
لا تحتاج الازمة القائمة الى تدويل خاصة بعد أن كشفت الولايات المتحدة الامريكية موقفها إزاء الاطراف التي تتبادل الاتهامات في موضوع الارهاب و تمويل الارهاب و هو الموضوع الذي قد يستدعي التدويل .. أما وقد اعفت الادارة الامريكية و خاصة الخارجية الامريكية الاطراف من التهم المباشرة في تمويل الارهاب و دعمه والتي تترتب عليها عقوبات فقد سحبت البساط من تحت اقدام الطرف الذي يريد التصعيد او زيادة العقوبات ولم يبق إلا الأسباب الاخرى التي يسهل اعراب جملها، وهي اسباب كامنه اكثر منها معلنة، بل لعل الطرف الذي يخفي و يتغطى بما لا يريد التصريح عن تفاصيلها لأن فيها مطالب إما غير مقنعة تماما للمجتمع الدولي الذي لا يتوافق عليها أو لأن فيها قواسم مشتركة بين دول الخليج و خاصه ما يتعلق بمقاطعة ايران حيث يمكن القول ” لا تنه عن خلق و تأتي مثله ” أو” من ساواك بنفسه فما ظلم ” ..
موضوع محطة الجزيرة خلافي حين يطرح دوليا فالفهم العالمي لها غيرالعربي رغم أن الجزيرة تبالغ و يصل بها الشطط باسم حرية التعبير الى مواقف غير موضوعية و جاهزة مسبقا .
و هنالك دوافع في الصراع بعضها فيه غيرة و حسد أو محاولة لاعادة تحجيم دور قطر و نتف ريشها و اعتبارها خارجة عن الطاعة و الدور أو راغبة في التمتع بسيادتها حيث تعتقد اطراف المقاطعة ان قطر تلعب دور الابن الضال الذي يجب اعادته الى حظيرة الطاعة ..
أعتقد أن اطالة أمد الازمه لا تستفيد منه الدول المقاطعة فقد امتصت قطر الصدمة في الساعات أو الايام الاولى وان اطالة الازمة قد يصدرها و بالتالي يجري التصعيد و نشر غسيل دول مجلس التعاون الخليجي غير النظيف على الحبال.
من المناسب الان أن نقول أيها الأشقاء “ضبوا الطابق” فالأقصى المستهدف بالتهويد والعدوان والاغلاق لا يتحدث عنه أحد ولا نجد موقفا حقيقيا أليس ذلك شكل من أشكال استفادة الاحتلال من التوتر في الخليج وما زال الحبل على الجرار.. نعم ضبوا الطابق فهذا “الزار” لا يستحق كل هذا التحشيد والخشية أن يجتمع الجشع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وهي تمارس الان سياسة الاحتواء الاقتصادي المزدوج بين قطر والاطراف المقاطعة لها هو استهداف المملكة العربية السعودية لالحاق الضرر بها، فهل يجري الانتباه الى محاولات صيد المملكة بجعلها تنطح الصخرة القطرية التي تستسهلها هذه الاطراف لانها ربما لا ترى من جبل الجليد إلّا رأسه وبالتالي تتكرر مأساة العراق والكويت.
لا يعلم أحد مهما ادعى الحكمة طبيعة تداعيات المواقف السياسية والأمنية وحتى العسكرية القادمة في منطقة الخليج طالما ان الدول المتخاصمة لا تضع السيناريو النهائي، وقد لا تعلم المدى الذي ستصل اليه التداعيات وعلى الاطراف الأخذ بمقولة ” داو جرحك قبل ان يتسع” حتى لا تتكرر المشاهد التي رأينا في الربيع العربي وما بعد الربيع العربي وهي مشاهد ماثلة في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
أعطوا سلطنة عمان دورا أوسع في الوساطة فهي مؤهلة لتكوين سياسي اكثر من الكويت ولعل ميزة الكويت هو في حكمة أميرها لكن التجربة العمانية في هذا المجال وعلى المستوى الدولي أكثر سطوعا..
هذه الازمة الى اين؟ ومن المعّول عليه في وقفها ؟ وماذا لو قال الامريكيون للاطراف التي تتمتع بصداقات مع الادارة الامريكية ” توقفوا” مَن مِن هذه الاطراف سيمضي في الصراع.. اعتقد لا أحد واعتقد ايضا ان الولايات المتحدة بتوزيعها لادوار مكونات ادارتها بين الخارجية والبيت الابيض ووزارة الدفاع تريد الابقاء على ادارة الازمة وليس حلها فلم يصدف من قبل ان حلت الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة ازمة واحدة طوال حوالي عشرين سنة وظلت الازمات تتراكم وكل ازمة تلد اخرى ولسنا بحاجة الى ضرب النماذج..
الحالة الخليجية الان لا تحتمل المزيد من الاستقطابات وعلى ماكنة ” حب الخشوم” ان تتحرك طالما برأت الولايات المتحدة الاطراف المتصارعة من تهمة الارهاب وتمويل الارهاب حتى لا نقول لهم ان استمروا ” اهل الميت صبروا والمعزين كفروا”او انكم باستمرار صراعكم باسم الارهاب اصبحتم ملكيين اكثر من الملك..
لا يحوز للاطراف المتخاصمة ان تأخذها العزة بالاثم أكثر فهناك شعوب ان كان المصطلح موضوعيا لها مصالح خارجة عن هذا الصراع الذي نراه يتمحور حول عقلية وسلوك القبيلة مذكرا بصراعات “داحس والغبراء”، و”قيس ويمن” و”عبس وذيبان” وغيرها من صراعات الجاهلية وكأن الاسلام لم تشرق شمسه على هذه الديار ولم يخرج فجره منها وكأن الأمة تعدم لمثل من مدحهم زهير بن ابي سلمى من حكماء العرب من امثال الهرم بن سنان و الحارث بن عوف في الحرب بين عبس و ذبيان .
اين الحكمة ولماذا على الاموال العربية ان تبدد في صراعات جانبية وان هذه الدول التي لا تملك ما يكفي لحماية نفسها دون الاستعانة بالاجنبي ان تمضي في ذلك وان تدفع الاثمان بدل ان تتعاون وتستفيد من هذه المرحلة التاريخية الذهبية من النفط لاجيالها القادمة بعد نضوب النفط الذي على هذه الاطراف ان تترجمه الى تنمية وليس الى اسلحة وصراعات وفتح قواعد اجنبية او استئجار مقاتلين.
ألا يكفي التدخلات الاجنبية والعربية لضرب العراق واسقاط نظامه .. الم يطلق العرب الرصاصة على العراق في قمة القاهرة ويهدموا السد والبوابة الشرقية التي كانت تتصدى لايران ونفوذها وتوسعها والان يعضون اصابع الندم على القاء يوسف في غيابة الجب او طرد أخيهم عنترة وعزله..
اي تفكير عربي هذا الذي لا يرى أصحابه ابعد من انوفهم؟ وأين هي الشعوب التي تحتج على هذا الصراع غير المبرر ؟ ولماذا لا نرى تظاهرة واحدة تقول للطرفين اذهبوا الى التحكيم ولا يضع احد فيكم المصاحف على اسنة الرماح او ان يخلع احد صاحبه ليثبت الاخر كما كان تحكيم علي ومعاوية الذي ما زالت اثار فشله تسري حتى الان وتعبر عن نفسها باشكال مختلفة ؟ كيف للعالم ان ينظر لنا ونحن من قبائل واحدة من الجزيرة من عرق واحد وصديق واحد هو الولايات المتحدة .كيف لنا ان نتنازع ونحن لا نختلف على اسرائيل التي نتغاضى عن احتلالها وانما نختلف بين انفسنا ونرى ان بأسنا بيننا شديد وان ظلم ذوي القربى أشد مضاضة وان القرارات التي استعملت والسلوك الناتج عنها من قسوة متبادلة واتهامات خلال شهر واحد يفوق كل ما عمله العرب من حصارات ضد اسرائيل لخمسين عاما.
اتمنى أن تتحرك أطراف عربية لديها قواسم مشتركة مع الطرفين المتصارعين ولا أرى افضل من سلطنة عمان في هذا السياق كونها من اعضاء مجلس التعاون ولديها علاقات مع الطرفين ومع اصدقاء الطرفين وحتى خصوم الطرفين.
ولأنه لا يعرف الشوق إلا من يكايده فعلى هذه الاطراف الان ان ترى اوسع من هذه الدائرة وان تدرك ان مناطق عدة في عالمنا العربي عانت الصراعات وما زالت تعاني سواء اليمن او فلسطين او غيرها وان القفز على مصالح الامة والمخاطر التي تواجهها من اعدائها الحقيقيين والتاريخيين لا يمكن استبداله مهما زين المزينون وادعى الباحثون عن انتصارات واهمة. فالمنتصر على نفسه ليس منتصرا والذي يلحق الضرر بأمته ومصالحها لن يكتب عنه التاريخ إلّا بما هو فيه أو عليه.