يبدو أن خطط تطوير امتحان الثانوية العامة “التوجيهي” شقت طريقها أخيرا للتطبيق، وبتناغم مع سياسات القبول الجامعي أيضا.
وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز، كشف في الأيام الماضية عن سلسلة من الأفكار الجريئة لتطوير الامتحان الوطني، على نحو يستجيب مع متطلبات تحسين الكفاءة والانتقال بأجيال عريضة من الخريجين نحو آفاق تحاكي المتغيرات العالمية في مجال التعليم.
اعتبارا من العام المقبل لن يكون هناك راسب وناجح في التوجيهي، وتطبيق مجموع علامات الامتحان من 1400 علامة بدلا من المعدل. وبموازاة ذلك ستقسم المساقات الدراسية لحزم حسب الاختصاص، لتكون نتائج الطالب في كل حزمة هي المعيار الأساسي في اختيار التخصصات الجامعية، فللطالب الراغب بدراسة الهندسة مثلا حزمة من مواد أساسية لابد أن يحقق فيها نتيجة تمكنه من دخول كلية الهندسة وهكذا يغدو نظام القبول الجامعي برمته مرتبطا بميول الطلاب وقدراتهم، وليس بمعدل عام لجميع المباحث، كما هو حاصل الآن.
ومن بين الترتيبات الجديدة للتوجيهي، تقسيم الامتحان على مراحل خلال السنة الدراسية عوضا عن الامتحان مرة واحدة مع نهاية العام الدراسي، أي أننا سنتخلص من رهاب التوجيهي؛ امتحانات ونتائج إلى الأبد، في خطوة تقربنا من أنظمة الامتحان في الدول المتقدمة التي تطبقها المدارس الخاصة في الأردن.
إنها بلاشك ثورة في العملية التعليمية؛ فالتوجيهي كامتحان وطني عمره من عمر الدولة الأردنية، ورغم ما طرأ عليه من تعديلات إلا انها لم تبلغ هذا المستوى من قبل. فبموجب التوجهات والقرارات التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم وستبدأ بتطبيقها اعتبارا من العام المقبل، لن يكون هناك امتحان توجيهي في الأردن بالشكل الذي اعتدنا عليه لعقود طويلة.
لقد بدأت”التربية” بإصلاح التعليم من فوق، فالتوجيهي هو المرحلة الأخيرة من التعليم المدرسي، ولا يمكن أن تكون الخطوة الوحيدة، فلدى الوزارة كما هو معروف خطة متكاملة لإصلاح التعليم في الأردن، ستمضي بمسارات متزامنة؛ رياض الأطفال وتطوير المناهج وأساليب التدريس، وتأهيل المعلمين، وإنشاء بنك وطني للأسئلة، ومركز للامتحانات.
وينبغي هنا ضمان الاستمرارية في جميع المسارات، وانجاز الخطوات المطلوبة في كل الحقول ضمن الخطط الزمنية الموضوعة،لأن إصلاح التوجيهي كامتحان سيصبح بلا معنى أو قيمة إذا لم تتغير أسس العملية التعليمية في مراحلها الأساسية والمتوسطة.
الامتحانات على الأنظمة الأجنبية في المدارس الخاصة تعتمد هذه المنهجية، فالطالب منذ مرحلة الروضة يبدأ بتعلم المهارات التي تؤهله لمواكبة المراحل اللاحقة من النظام المتبع، وصولا إلى السنة الدراسية الأخيرة، وضمن نسق تعليمي مبرمج.
الوزير الرزاز يدرك هذا الأمر دون شك، ويحمل تصورا شاملا لإصلاح عملية التعليم، ويستند في عمله لخطة وطنية وضعها فريق وطني من خيرة الكفاءات الأردنية.
من المهم أن نغادر حقبة التوجيهي وإلى الأبد، ونخوض غمار تجربة أكثر تطورا، لكن علينا أن نعلم بأن تجاوز هذه المحطة ربما يكون أسهل بكثير من محطات أخرى سنواجهها في الطريق للوصول إلى المرحلة المنشودة من الإصلاح الشامل لقطاع ثبت بالتجربة الحية أن تخلفه يعني تخلفا في كل المجالات.