تصريحات أحمد يوسف، القيادي المعروف في حماس، لـ”الغد” أمس تكشف جوانب مهمة وأساسية في حيثيات التفاهمات بين حركة حماس ومحمد دحلان، القيادي الفتحاوي المنشق، وخلفيتها، والمسارات المرتبطة بها.
باختصار التفاهمات تعني عودة جناح محمد دحلان، الذي أقصي من فتح، إلى غزة، بعد عشرة أعوام مما سمي “الحسم العسكري”، الذي سيطرت بعده حماس على غزة وبدأت عملياً في حكمها، وحدث الانفصال السياسي الراهن بينها وبين الضفة التي تسيطر عليها حركة فتح.
ثمّة جوانب إقليمية ومحلية فلسطينية عديدة مهمة تستدعي القراءة في جوانب هذا الاتفاق، وتطرح أسئلة كبيرة، سنكتفي بالإشارة إليها في هذا المقال، لأنّها تتطلب تحليلاً مطوّلاً ومعمّقاً..
أولاً؛ على صعيد علاقة حماس بقطر، فمن المعروف أنّ محمد دحلان حليف القاهرة والإمارات، وإحدى “الأدوات” التنفيذية لحلف المقاطعة في مواجهة الإسلام السياسي، أي الطرف النقيض لقطر، فهل يعني ذلك أنّ حماس تخلّت عن قطر، بعدما كانت في مرحلة سابقة أحد أهم الأسباب التي دفعت بـ”المعسكر المحافظ” إلى اتهام قطر بالإرهاب والهجوم عليها؟
الزميل أحمد عزم (في مقالته أمس عن الموضوع نفسه) التقط ملاحظة مهمة جداً تتمثل بغياب حماس عن الأزمة الخليجية، وعدم ذكرها من قبل حلف المقاطعة، ما يشي بإنتاج ديناميكيات جديدة للتفاهمات الحالية، وبانتقال القيادة اليوم من قطر (بعد انتهاء زعامة خالد مشعل للحركة) إلى داخل غزة، ما يجعل من العلاقة مع القاهرة قضية جوهرية في تفكير الحركة واستراتيجياتها.
ومن المعروف أنّ حركة حماس استبقت هذه الخطوة بإصدار وثيقة سياسية تجديدية مهمة، قبلت فيها إقامة دولة على حدود الـ67، وامتازت بدرجة أساسية بالانتقال إلى البراغماتية الواضحة، ووصفتُها حينها بأنّها تؤشر إلى “تسييس” البناء الأيديولوجي للحركة، بصورة كبيرة، لكنّ الإشارة حينها كانت إلى أنّ الضغوط الممارسة على الحركة هي من قطر، من أجل تسويق الحركة وتطبيع قبولها دولياً وإقليمياً، فهل نفهم أنّ ما يحدث انقلاب على قطر أم تفاهم معها من أجل تخفيف أعبائها وأحمالها، أم هو مرونة من الحركة فائقة في اللعب في المساحات المتاحة والممكنة في ظل الضغوط الشديدة التي تتعرض لها؟
في المقابل كان واضحاً أنّ ارتباكاً شديداً أصاب أنصار حركة حماس ومؤيديها والجماهير المتعاطفة معها، وهم يتابعون تسريبات اللقاءات مع دحلان، التي جرت بإشراف من المخابرات المصرية، بين من يبرر للحركة ويجادل عن قرارها ومن يبدي استياءه وإنكاره لهذه الخطوة غير المتوقعة مع خصم الحركة اللدود، الذي شيطنها وشيطنته خلال الفترة الماضية.
وأظن، على وجه قريب من اليقين، أنّ الارتباك سيكون أكبر وأشد بين كوادر الحركة في الداخل والخارج، بخاصة جناح عز الدين القسام، الذي قام بعملية الحسم، ويعتبر قادته من صقور الحركة، الذين يشعرون بالقلق مما قد يترتب على الاتفاق من تداعيات وتفاهمات أخرى، ومن دخول الحركة في طور جديد يحجم أكثر وأكثر نفوذ الجناح العسكري ودوره في القطاع.
من وجهة نظري، فإنّ الاتفاق ليس اختيارياً، بل اضطراري، فكل المنافذ أغلقت أمام الحركة، حتى قطر التي كانت تدعمها، دفعت ثمناً كبيراً، والمجال الوحيد للتنفس لدى السكان والحركة في مصر تم إغلاقه والتضييق عليه، فالحركة والقطاع يعيشان في سجن كبير منذ أعوام، والعلاقة مع إيران وسورية التي كانت تمثّل أفقاً آخر انكسرت، والمؤشرات القادمة كانت تنذر بما هو أسوأ!
وللحديث بقية، عن خيارات الحركة وعن نتائج الاتفاق على الرئيس محمود عباس وموقف الأردن والمخاوف في موضوع “دولة غزة“!