يشير تقرير لمجلة الأكونومست عن “أشبال الخلافة” (نشرت الغد أمس ترجمته بعنوان “أشبال الخلافة” يكبرون: ما العمل مع جنود “داعش” الأطفال؟) إلى مشكلة معقّدة تتجاوز الجانب العسكري في هزيمة داعش أو الخلافة على “تركة أراضيه” بين القوى الدولية والإقليمية، إلى تركة أكثر خطورة تتطلب حلولاً مختلفة تماماً، من بينها موضوع الأطفال الذين تربوا على يد داعش خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأصبحوا يحملون عقيدة التنظيم، بصورة فعّالة وعميقة.
هذا الموضوع سبق وأن تحدثنا عنه وكتبنا حوله، مراراً وتكراراً، لكن لأهميته من الضروري أن نستمر بطرق “باب الخزّان”، لأنّنا نتحدث عن آلاف الأطفال ممن أشرف التنظيم على تنشئتهم خلال الأعوام الماضية، في الأراضي التي يحكمها، وعدد آخر غير معروف ممن أتوا مع آبائهم وعائلاتهم إلى أراضي التنظيم، ممن ينتمون إلى “عائلات داعشية”.
المفارقة أن التنظيم أظهر اهتماماً شديداً بموضوع الأطفال، أو من سمّاهم “أشبال الخلافة”، وركّز على عملية الإعداد والتنشئة العقائدية والعسكرية، وكأنّه يريد أن يضمن استمرار “سلالاته” حتى لو تمّ القضاء على دولته.
وخصص التنظيم لهم فيلماً بعنوان “حدثني أبي”، يعرض مشاهد لعملية تدريب لأطفال قتل آباؤهم، ويتولى التنظيم تدريبهم، فيقومون بقتل الأعداء، وعرض لمشاهد ملاحقة وقتل يقومون بها، تكشف حجم التدمير الذي حدث لنفوسهم نتيجة هذه الظروف القهرية.
وفي فيلم لاحق يعرض التنظيم فيه لعمليات انتحارية قام بها مراهقون لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من عمرهم، وهو السيناريو الأسود، أي أن تبدأ عمليات انتحارية من قبل الأطفال والنساء في الأراضي المتبقية للتنظيم!
وفق تقرير المجلة “الأكونومست” فإنّ في العراق وحدها قرابة 2000 طفل معتقل على خلفية العلاقة مع داعش، وهذا الرقم هو بحدّ ذاته كبير جداً، ولا يجدي السجن معهم، بقدر ما قد يساهم في صقل عقائدهم الداعشية وتجذيرها!
على هامش خسارة التنظيم “دولته” يصعد السؤال الأكثر أهمية، كيف سيتم التعامل مع أطفال داعش الذين يكبرون؟ من يبقى منهم حيّاً، بعد عملية القتل والقصف الشديدة، نسبة منهم سيتم اعتقالهم في العراق وسورية، وربما يقتلون، أو يبقون في السجون، ونسبة منهم ستهرب إلى خارج الحدود، وستعود إلى بلادها، فما العمل معهم، ما هي البرامج القادرة على إعادة صياغتهم بصورة جديدة، وما هي الخبرة المطلوبة لمثل هذه الحالة؟!
مثل هذه السيناريوهات جميعاً بشعة وصادمة، وتقفز عن أساسيات حقوق الطفل ومسؤولية الظروف التي وضع فيها عما وصل إليه، بخاصة عندما نتحدث عن القتل والسجن والاعتقال في أوضاع غير إنسانية.
أردنياً، ما نزال نتعامل مع ظاهرة محدودة، وقد تمّ افتتاح دار خاصة بالمراهقين المتأثرين بتنظيم داعش، ومن عليهم قضايا حكم، تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، لكن من الضروري أن يكون هنالك برنامج تأهيل نفسي وثقافي وعملية إعادة إدماج، وهو أمر غير متوافر، أو محدود جداً، في أحسن الأحوال.
ثم هنالك عدد من الأردنيين المقاتلين والقتلى في سورية والعراق، قد تعود عائلاتهم بعد نهاية التنظيم هناك، ولا توجد إلى الآن أرقام دقيقة حول عددهم، لكن المطلوب أن يكون هنالك تصوّر وبرنامج إعادة تأهيل مدروس، بخاصة أنه بدأ الانتقال في الأردن من الجهاديين الأفراد إلى العائلات والأسر الجهادية، ما يتطلب قراءات عميقة تتجاوز المعالجات الأمنية!