11
عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – التحرك الذي يقوده الرئيس محمود عباس الآن باتجاه دول في افريقيا واوروبا تشمل أديس أبابا حيث منظمة الوحدة الافريقية، وباريس حيث مازالت المبادرة الفرنسية وضرورة اللقاء مع الرئيس الفرنسي الجديد الذي يتوسم الرئيس عباس به خيرا ان لجهة الدور الفرنسي الموصول لانجاح عملية سلام في المنطقة أو لجهة دعم الموقف الفلسطيني باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، ثم الى تونس بعد أن أصبحت الزيارة واجبة واعادة اطلاق علاقات لم تؤثر عليها التقلبات السياسية التي عصفت بأول بلد أصابه الربيع العربي .
وقد تكون مصر المحطة الأخيرة من أجل إعادة تسخين العلاقات المصرية الفلسطينية التي عملت زيارة الرئيس أبو مازن الأخيرة على تدفئتها، رغم استهداف هذه العلاقة التاريخية العميقة من أطراف عديدة تحاول تعكيرها والاصطياد فيها وتوظيفها.
تحرص القيادة الفلسطينية على أن تبقى العلاقة مع مصر قوية وواضحة وشفافة لدور مصر التاريخي ازاء فلسطين منذ حكم الهكسوس قبل الميلاد والى لحظتنا الحالية ، ولن تستطيع تداخلات عديدة وسريعة وتكتيكية أن توهن هذه العلاقات ، فــمصر أكبر من كل الموجات التي تأتي من بعيد قوية ثم تنكسر على شواطئها، فما زالت قلوب المصريين تنبض حبا بفلسطين، ومازالت مصر حتى الآن مع خياراتها القومية بعد أن جددت ثورتها التي اعترتها في البداية موجة صفراء كادت تذهب بمصر وانجازاتها لولا جيشها الوطني الذي تصدى لذلك لتبقى هوية مصر عربية وطنية .
مازال الرئيس أبو مازن صامدا مؤمنا بالنهج الذي كرس له حياته، وهو الانتصار لقضية شعبه بتأييد عالمي لأن فلسطين خسرت حين انحاز المجتمع الدولي لاسرائيل، وهي ستنتصر حين يعود المجتمع الدولي عن انحيازه، وهذه معركة لا تتقدم عليها أي معارك أخرى مهما كانت واجبة، وما حققه الرئيس أبو مازن في هذا السياق من كسب دولي لا يستطيع مراقب منصف أن ينكره ففلسطين الآن ماثلة أمام العالم في الأمم المتحدة وخارجها، وفي المحافل الدولية وهي بحاجة الى من يراكم جهدا اضافيا الى جانب جهد الرئيس عباس الذي تستهدفه قوى اليمين الاسرائيلي التي يفضحها دوره ويؤثر عليها بشكل يجعلها ترفض شراكته في أحداث سلام حقيقي.
المحاولات اليائسة مازالت مستمرة على أكثر من مستوى، وكلها تستهدف دور الرئيس عباس في خدمة قضيته وفي تمثيله لها ، وهذا الاستهداف يستعمل كل الطرق بما فيها الطرق الرخيصة والاشاعات، تارة عن مرض الرئيس وأخرى عن شعبيته فقد اعياهم صموده، واصراره وقدرته على اقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيته.
ما زالت الأطراف تلتقي بين اعلام اسرائيلي يميني مدسوس يعمل ليل نهار ضد نهج الرئيس، ويستعمل أدوات فلسطينية وحتى تسميات لها علاقة بالانتفاضة، والتغطى بشعارات وطنية يعمل على اشاعة جو اليأس والتآمر والالتفاف على المكاسب والتشكيك بنهج القيادة ، وبعد آخر اقليمي يزرع بؤر وخلايا داخل الأنظمة العربية الاقليمية ليعكر علاقاتها بالقضية، مستغلا الترهل بالاجهزة الادارية البيروقراطية لبعض هذه الأنظمة، والاعتماد على خلايا داخلها تقبل التآمر على فلسطين الى أن يفتضح أمرها فتتخفى، وهناك أطراف اقليمية يجري توظيفها بضغط اسرائيلي صهيوني لتغطي اسرائيل نفسها من بعض المهمات وتوكلها الى 5 دول في الاقليم وقد تابعنا ذلك في الرباعية العربية ومحاولاتها السابقة قبل انعقاد القمة العربية الأخيرة.
يحلو لبعض الأطراف الاقليمية العربية ذات الدور الوظيفي أن تزرع نباتات( هالوك) في شرفاتها لتدس بها في الحقل الفلسطيني، كما يجري العمل في ظاهرة الدحلان التي حاولت أطراف اقليمية فرضها على قيادة الشعب الفلسطيني التي لفظته لسواد سيرته ولانقلابه على شعبه وقيامه بمؤامرة الانقسام وتكريسه.
اذ مازالت هذه الأطراف تستثمر فيه لأنها ذات دور في تكريس الانقسام والابتعاد على ادارة أزماته، مازالت أطراف اقليمية خفية ومعلنه ذات برامج قذرة تدير أزمات برسم الخدمة الاحتلالية الاسرائيلية، وتدفع اطراف متناقضة على اللقاء في أهداف خبيثة، وإلآّ كيف نفهم لقاء الدحلان مع بعض أطراف حماس التي يهمها البقاء في موقعها مكرسة الانقسام، وقافزة فوق دماء الشهداء الذين سقطوا ضحية لصراع حماس على السلطة، وما أحدثته من تدمير لكرامة الشعب الفلسطيني الذي تختطفه في غزة وتجعله رهينة اقتصاد الأنفاق، ما الذي يجعل حماس الزهار والحيّة ومجموعة من المستفيدين تقبل عطايا الدحلان المدفوعة من جهات عدة اقليمية على شكل رشاوي عينية مباشرة وغير مباشرة لاحداث لقاء انتهازي يتناسب مع مافعله الدحلان في حماس ومسؤوليته عن تأزيم الحال الفلسطينية التي أدت الى الانقسام.
الشبكة المصرية ذات الطبيعة الأمنية التي نسقت لدحلان ليقوم بنشاطاته المشبوهه في القاهرة ومناطق مصرية أخرى، جرى كشفها في لقاء الرئيس عباس مع الرئيس السيسي ، ولكن يبدو أن أطراف اقليمية مازالت تصر على الترويج لحصان طروادة من أجل ادخاله الى القلعة الفلسطينية، ولكن الشعب الفلسطيني الذي رفض تاريخيا ومازال يرفض أن تعرض عليه قيادات من خارج صفه الوطني ظل يناضل على جبهتين: جبهة الاحتلال والهيمنة الأجنبية، وجبهة فرض قيادات عليه أو التدخل في قراراته، فقد رفض الوصاية ومازال يرفضها، وهو اليوم أقدر على رفضها وبضاعة دحلان الجديدة المروج لها لن تشتريها السوق الفلسطينية حتى وان ختمت بختم حماس أو سمحت حماس بترويجها، فهذا التحالف الخبيث ترفضه فتح والفصائل والشارع الوطني وترفضه حتى أطراف وطنية في حماس مازالت ترى في الدحلان خصما لها، ولقضية الشعب الفلسطيني بما اقترفت يداه قبل الانقسام وخلاله وحتى اليوم.
لماذا هذا التحالف الجديد بين بعض حماس والدحلان ؟ ولماذا تحمله أطراف اقليمية تقوم بدور وظيفي لخدمة الاحتلال ومساعدته؟ من هي هذه الأطراف الى متى ستستمر؟وعلى ماذا تراهن ومع من تتعامل من قوى الاحتلال وما هو مشروعها ؟ وهل هو نفس المشروع الذي جرى بيعه اسرائيليا لحكومة مرسي قصيرة العمر، وقد اطلعت عليه من الرئيس محمود عباس وقد كان المشروع آنذاك يتكلم عن دولة فلسطينية بديلة في قطاع غزة وجزء من شمال سيناء من حدود غزة الى ماقبل العريش ولمسافة عشرين كيلو متر وبمساحة حوالي 650كم وهو المشروع الذي فضحه الرئيس عباس وجاءت الثورة على مرسي لتفضحه. فلماذا يعود الآن؟ من وراءه ؟ هذه أسئلة برسم الاجابة عليها.
ونقل إدارة تنفيذه لصالح الاحتلال الى مسرح الاحداث؟
لماذا تتورط دول اقليمية في مشروع كهذا.. وما الثمن الذي تقبضه ولماذا يجري طرحه كوطن بديل؟
الرئيس ابو مازن يحيي الموقف الأردني لأنه متنبه لهذه الخطوة وقلق ايضا منها، ويرى فيها خطرا على أمنه الوطني، وكان الملك عبدالله الثاني قد تجاوز بحسن ادارته للقمة العربية مثل هذا المشروع حين تحدثت مصر قبيل القمة عن مشروع فلسطيني جديد، فكان العمل الاردني الذي كرسه الملك هو أن تستمع القمة العربية للقيادة الفلسطينية التي ظلت تصر على اقامة دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني الذي احتل عام 1967 بما في ذلك شرق القدس.. وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
الاردن يدرك حجم الخطر حين يجري الخروج على قرارات الشرعية الدولية او القفز عن قرارات القمة العربية الاخيرة او اغفال المبادرة العربية او استبدالها .. فدخول الدول الاقليمية على حلول جزئية ومفاجئة او مبيتة للقضية الفلسطينية هو بالضرورة عبث مباشر او غير مباشر بالامن الوطني الاردني والمس بثوابت هذا الامن وروافعه السياسية..
اي نهج هذا الذي تنتهجه بعض حماس وهي تهرب للأمام دون مراعاة الثوابت السياسية أو الاخلاقية أو الدينية فالهروب من قطر لا يكون الى خصوم القضية واولئك الذين يريدون تصفيتها، أفرادا كانوا أم جهات.
واذا كانت حماس في ضيق وحصار وقد انعكست عليها ازمة الخليج الجديدة فإن الهروب يجب ان يكون باتجاه القضية الفلسطينية وقيادتها التي تتسع للجميع، والتي تقبل حماس فصيلا وطنيا فلسطينيا ببعده الاسلامي، وتفتح المجال ليكون شريكا ومساهما وجاهزا للانخراط في انتخابات مستقبلية على مستوى التشريعي والرئاسي . فلماذا تهرب حماس من هذا الاستحقاق وتذهب باتجاه كتب عليه (نكاية في الطهارة..الخ).
لماذا تريد جهات أخرى ان تحل محل قطر في غزة .. الم تدرس تجربتها وما آلت اليها.. ورغم تناقض سياسات المتنافسين هل هي مسألة توظيف لدورهما .. ام محاولة احتواء ام ان المحرك للدورين هو نفس المعلم الراغب للوصول الى نفس الهدف.
واذا كانت اطراف اقليمية عربية تريد مساعدة غزة فهذا واجبها ويسجل لها . ولكن ان كانت تريد الصيد في مياه غزة التي عكرها التوظيف الاسرائيلي، فتلك جريمة لن يغفرها الشعب الفلسطيني وهو يدرك الان اهدافها ومراميها.. فالاموال التي دفعتها قطر في غزة كثيرة ولكن في اي الوجوه صرفت؟ ومن سأل عن ذلك؟ .. وكيف كان يسمح للعمادي بحمل الاموال والتنقل ومن افاد منها.ولماذا تحاول نفس الاطراف الان ان ترضع من ثدي آخر وهي تنقل بنادقها من اليسار الى اليمين وبالعكس.
لماذا تتحالف حماس مع دحلان .. وعلى اي الأسس؟ وما هو الاتفاق؟ ولماذا لا تجري مصارحة الشعب الفلسطيني به؟ .. ولماذا يجري التعامل مع هذا الاتفاق كما لو أنه “بندوق” او حمل سفاح او لقيط او حمل من محارم..؟ ما علاقة مصر الان بحماس؟ وما هو سقف العلاقة وعتبتها؟ ولماذا تتغير بين عشية وضحاها؟ وما علاقة أطراف أخرى ظل يزعجها التعامل مع حماس ومع الاخوان؟ ولماذا يريد دحلان ان يكسب لها الرهان او تكسب له الرهان بالتحالف مع بعض حماس ولخدمة من؟
هل صحيح ان هناك مشروع تهجير لسكان غزة باتجاه سيناء؟ وهل صحيح انه يجري تفريغ القطاع بعد ضربه..؟ وان سياسة التجويع والمصادرة وقطع الكهرباء والجباية عبر الانفاق وبيع الادوية التي تصل من جانب السلطة ليصادرها المتنفذون في غزة . هل صحيح ان ذلك مخطط له من بدايات سابقة تتكشف الان منذ انقلاب الدحلان الذي وظف لصالح حماس ويجري اليوم حصده مجددا؟.
ما قاعدة هذا الاتفاق؟ ولماذا لا يصرح به؟إن كان وطنيا او نظيفا او شرعيا.. لماذا يجري التستر عليه وتحريك وسائل اعلامية اسرائيلية خفية لخدمته والثناء عليه وكسب الانصار له.
اذن كانت السلطة الفلسطينية وفي وقت مبكر ادركت مخاطر الانقلاب الحماسي على الشرعية في غزة كما تدرك الان دور الدحلان فيه وهي تدرك ايضا المرامي والاهداف وهي تقرأ تصريحات احد الحماسيين وهو “الحيّة” عن البعد الانساني للاتفاق وكأن الدحلان مبعوث الامم المتحدة أو الانروا !!
يكرس الانقسام بمثل هذا الاتفاق الذي يشتري الجرائم التي وقعت فيه وبعده في غزة ويعيد غسلها كما تغسل الاموال ويبرئ المجرمين ويعيد تمثيل الجريمة باعتزاز.
واذا كان الدحلان يعمل كما يقول على ترقيص البعض “خمسة بلدي” فمن هم الراقصون الان وما علاقة حماس بالفرقة الجديدة والجوقة او الدحيّة التي يريد الدحلان ان يكون “الحاشي” فيها.
هل اصبح الحل دحلانيا وما هو الفيلم الهندي الذي سيعرضه الدحلان في غزة وكيف ستكون نهاية البطل؟ ولماذا على ممثلي حماس تغيير ملابسهم المحتشمة الى الساري الذي يكشف الصرة.. ومن اين لدحلان الذي نعرف انه كان يبيع بالقطاعي أموالا لتمويل هكذا مشروع يعجز عنه ابن لادن ؟
هذا المشروع الذي يجري تسريبه هو ثمرة زواج متعة بين الدحلان وحماس و”النقطة” فيه فتح المعابر لايام حتى يحس الغزيين انه اي الدحلان “غاب وجاب” طالما استطاع ان يقنع بعض الاطراف المصرية التي لها هوامش مختلفة عن القرار المصري الرسمي.
اخيرا كشفت الجيروسالم بوست الاسرائيلية أن نسخة الضمانات من حماس والدحلان واطراف اقليمية اخرى وصلت الى اسرائيل وان موافقات اتخذت ورغم ان الرئيس ابو مازن الذي يراهن على وعي الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة لم يقلق، إلا أنني أرى وجوب قلقة وضرورة ان يقف ليفضح هذا المخطط ويعمل على اسقاطه ان لم يكن أمس فاليوم..
الاسرائيليون الذين يهربون من استحقاقات اي عملية سلام جادة يرّجون الى مثل هذه البضاعة الدحلانية في دولة سرابية بديلة لدولة فلسطينية ولذا يضعون رؤيتهم في مخطط الدحلان الذي يضع سمه في دسم حماس.
فاسرائيل الان تريد شريكا يكرس الانقسام وليس شريكا ينهي الانقسام .. وتريد صراعا عربيا على القضية الفلسطينية وليس صراعا عربيا على القضية الفلسطينية واسرائيل تريد امداد الانقسام بكل اسباب البقاء .. وان تستمر فيه وتحوله الى مشروع تجعل الدحلان في امارته سواء اطلق لحية مع حماس ام احتفظ بملابسه طالما ان اصحاب اللحى في حماس على استعداد ان يقفوا وراء”الحاشي” لتنظيم صف الدحيّة!!
للاسف تتصرف اطراف اقليمية عربية لتدخل في الكوع الفلسطينية وتجعل الصوت الدولي المنتصر للقضية الفلسطينية خافتا خاصة بعد زيارة ترامب للمنطقة..
وهذا ما يدفع الرئيس ابو مازن الان لتجديد حركته السياسية باتجاه اثيوبيا اديس ابابا وباتجاه فرنسا الى باريس والى تونس .. وقد يكون الى مصر.. في محاولة لجعل طريق القضية سالكا واطفاء الحرائق التي تشعلها اسرائيل بأدوات فلسطينية واقليمية لتريح نفسها من الضغوط الدولية.
فالاسرائيليون لا يريدون حل الدولتين ويريدون القدس عاصمة ابدية لهم والاغوار جزء من احتلالهم ومنهم من يغري الفلسطينيين بحل الدولة الواحدة حتى اذا ما قتل حل الدولتين جرى اسقاط حل الدولة بمولود الابارتيد النابت من تكريس الامر الواقع الان.
هل يأتي النظام الاقليمي العربي ليقدم حلا؟ ولماذا يتخلى عن المبادرة العربية سرا ارضاء لاسرائيل ويعمل على ايقاع انقلاب على النظام السياسي الفلسطيني الذي ما زال يمسك باستحقاقات القضية الفلسطينية ؟ واذا كان النظام الاقليمي العربي المتدخل يشفق على الفلسطينيين ويريد تخليصهم بانقلاب لتغيير نظامهم السياسي فإن ذلك لن ينجح فالفلسطينييون هم من يقررون ذلك وكل محاولات القفز عن ارادة الشعب الفلسطينيين وتصفية قضيتهم سيفشل. واذا كان الامر كذلك فإن على القيادة الشرعية الفلسطينية قيادة الرئيس ابو مازن ان تنهض الان الى حوار استراتيجي مع مصر ومع الاردن تحديدا وان ترتب البيت الفلسطيني بسرعة وأن تقطع الطريق على المزايدين والمترددين عسى ان تدرك اطراف حماس الوطنية مخاطر المرحلة. التي يجب ان يكون شعارها لا تطبيع ولا اعتراف باسرائيل إلا باقامة الدولة الفلسطينية!!