الحكومة هى الطبق الرئيسي على موائد المعلقين والمغردين والساسة والإعلاميين. هذا هو الوضع الدائم والطبيعي في الأردن وشتى البلدان.
وفي الأسابيع القليلة الماضية انهالت سهام النقد على حكومة الملقي على نحو يفوق بمراحل ما تعرضت له في السابق. عناوين مثيرة وساخنة كانت سببا في صعود وتيرة السجال، أهمها ما عرفت بقضية الدجاج الفاسد، وإنهاء عقد مستشار في رئاسة الوزراء أثار والده الشاعر حيدر محمود ضجة بشأنه، والجدل حول إلغاء حفل “مشروع ليلى” الموسيقي، ومن ثم التعديل المباغت على الحكومة “خروج ثلاثة وزراء ودخول أربعة”، وفي الحالتين تعرضت الحكومة لوابل من الانتقادات والأسئلة.
المناقشات حول هذه المواضيع وسواها من القضايا الوطنية تدور على وقع أوضاع اقتصادية صعبة ومعقدة، وتنبؤات غير متفائلة بالمستقبل جراء الظروف الإقليمية المحيطة، أشار إليها تقرير للبنك الدولي عرضت “الغد” ملخصا له أمس.
في الأثناء، رفع رئيس الوزراء هاني الملقي لجلالة الملك تقريرا تفصيليا حول أعمال الحكومة على مدى عام. يعرض فيه ما تحقق في ثمانية محاور رئيسية، كانت في الأساس عناوين التكليف الملكي للحكومة عند تشكيلها.
التقرير نشر بنصه الكامل على الفور في وسائل الإعلام، الأمر الذي يجعل منه حكما مادة للنقاش العام والتقييم من قبل المهتمين.
والسؤال هنا، هل يمكن بعد كل ما قيل ويقال يوميا عن إخفاقات للحكومة أن ندير نقاشا موضوعيا حول ما حققته من إنجازات على مدار العام؟
التقرير طويل جدا وتفصيلي وقد لا يحظى بحقه من القراءة المتفحصة، إلا من فئة قليلة جدا من المهتمين. الأغلبية في مجتمعنا من المعلقين وأصحاب “البوستات” وحتى الناشطين يكتفون بالعناوين، وجلهم يحملون مواقف مسبقة “سلبية أو إيجابية” ينطلقون منها لقول رأيهم.
من الممكن تحفيز هذه الأوساط على التفاعل بشكل موضوعي مع التقرير عن طريق عرضه بصورة مختلفة “إنفوغرافيك مثلا”، أو الطلب من المختصين حسب قطاعاتهم إبداء الرأي للاستنارة فيه للمرحلة المقبلة، وبهدف تطوير الأداء في هذا القطاع أو ذاك.
مشكلاتنا في الحكومات أن الأشخاص وبمجرد أن يتولوا المناصب الوزارية ينتابهم شعور بأنهم أفهم وأكثر خبرة من غيرهم، ويعتقدون أن مشاورة المختصين من خارج الوزارة يعني انتقاصا من علمهم.
هذا وضع غير سليم أبدا وينبغي العمل على تجاوزه، فكلما توسعت دائرة المشاورات بين المختصين خرجنا بنتائج أفضل.
التقرير تضمن اعترافات بالتقصير وتباطؤ في عمل بعض القطاعات، وهى بالتحديد التي شملها التعديل الوزاري الأخير. ويبدو أن التقرير بهذا الجانب خضع للمراجعة بعد التعديل الوزاري وفي غياب الوزراء الثلاثة الذين طال أداءهم النقد، وإلا لما ورد على هذا النحو.
في المقابل، هناك عرض لإنجازات ليست قليلة في عديد القطاعات والوزارات كالأشغال والبلديات والمياه والصحة، إضافة إلى ما تحقق في مجالات تطوير القضاء والإصلاح الاقتصادي والمالي وتنمية الموارد البشرية والتعليم والتي كانت في الأساس بتوجيهات ملكية مباشرة، وعبر لجان ملكية أيضا.
هل يمكن لهذا التقرير أن يعدّل في المزاج العام تجاه الحكومة، ويحسن الصورة؟
ليس مؤكدا بعد، فهذا يعتمد على مدى قدرة الحكومة على إدارة نقاش عام حوله، واستعداد الرأي العام للتفاعل بموضوعية.
المهم أن الحكومة بادرت هذه المرة لجرد حسابها بعد أسابيع من الجَلد.