أكملت إيران السيطرة على مناطق حدودية بين العراق وسورية، وتتوسع في المناطق الشرقية على تخوم الرقة، وفي محافظة دير الزور، وطريق بغداد- دمشق قيد التدشين الكامل، بالرغم من المحاولات الأميركية لعرقلة “الممر البرّي” الاستراتيجي المذكور.
في الأثناء يستعد حزب الله لحملة جديدة من أجل السيطرة على الحدود السورية- اللبنانية، فيما تم إنقاذ درعا من وجبات الإفطار اليومية على الصواريخ والبراميل المتفجّرة، مؤقتاً، إلى ما بعد العيد، مع وجود إصرار واضح لدى قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، والمسؤول الفعلي عن العمليات العسكرية الإقليمية لإيران، على الانتصار في معارك المعابر، والسيطرة على الحدود، بما في ذلك حدود درعا.
هنالك تقدّم ملحوظ على الأرض، إذاً، بالرغم من محاولة إدارة الرئيس ترامب تحجيم النفوذ الإيراني، في سورية على الأقل، بعد أن سلّمت لهم في العراق، إذ تبدو الخيارات الاستراتيجية الأميركية في سورية محدودة، وتسعى واشنطن إلى تجنب مواجهة إقليمية شاملة مع إيران، التي تحصّنت بالتحالف مع الروس، فعقّدت أي حسابات أميركية للتعامل معها.
ما هي خيارات الرئيس ترامب بعد هزيمة داعش في سورية والعراق، أي كيف سيتعامل مع تركة التنظيم؟ من سيسيطر على الأراضي؟ ما هو النظام الذي يتوافق مع المصالح الأميركية؟
المؤشرات جميعاً تدلّ على أنّ العمّ سام يفتقد الرؤية والمشروع لـ”مرحلة ما بعد داعش”، ودلالة ذلك ما يحصل حالياً في الموصل والمناطق التي أخذها الجيش العراقي وقوى الحشد الشعبي، التي حازت على دعم هائل من الطيران الأميركي، لكنّها تعمل وفق الأجندة الإيرانية، ووصلت الحدود السورية لتأمين الممر البري الاستراتيجي لطهران نحو المتوسط.
أي أنّ ترامب الذي كاش مئات المليارات من العرب لمواجهة إيران يقدّم خدمات جليلة للأخيرة في العراق، فيما لا يبدو الوضع في سورية أفضل حالاً، فالإيرانيون يلتفون عليه ويسيطرون على الأراضي، ويتوسعون، والأميركان إلى الآن عاجزون عن الوصول إلى تصوّر ناضج لما يريدونه في سورية.
ولا تبدو معركة الرقّة أفضل حالاً، فلا يوجد هناك رؤية لما بعد داعش، والاعتماد المبالغ فيه على الأكراد، ستكون له آثار سلبية إقليمياً، على صعيد العلاقة مع تركيا ومحلياً بالنسبة للسنة المتحالفين مع الولايات المتحدة الأميركية.
في المقابل، فإذا كانت الأجندة الأميركية مشلولة، غير ناضجة، مقابل الأجندة الإيرانية، فماذا يمكن القول عن الأجندة العربية التي تتخبط يميناً وشمالاً، فتعلن أولوية قتال إيران، ثم تدخل في صدامات داخلية شديدة، وبدلاً من التوافق على تصور استراتيجي، والبحث عن القوى الإقليمية الحليفة، كتركيا مثلاً، وترسيم بنود “الصفقة التاريخية معها”، تدخل هذه الدول في مواجهات داخلية وحالة استقطاب، وتقسيم العالم العربي بين القوى الإسلامية وخصومها، وتترك الملعب لإيران في كل من العراق وسورية ولبنان لتكوين قوة إقليمية كبرى!
الأجندة العربية عادت اليوم إلى مرحلة ما بين 2013-2015، أي بين الانقلاب العسكري في مصر ووفاة الملك عبدالله بن
عبد العزيز، وهي الأجندة التي تركز على أولوية مواجهة تركيا- قطر- الإخوان المسلمين، ودعم السيسي، لـ”ترتيب البيت الداخلي”، تحضيراً لمواجهة إيران، لكن هذه الأجندة، أي المواجهات الداخلية والاستقطاب والتمزّق، لم تؤدّ حينها إلا إلى سيطرة الحوثيين على اليمن، والغرق في ارتباك واضطراب كامل على الصعيد الإقليمي!
بجردة مختصرة سريعة؛ الكل تائه؛ العرب ممزقون، يفقدون كل شيء، أميركا لا تملك استراتيجية ناضجة، الأتراك مرتبكون بين تحالفات وتفاهمات مع خصومهم وصدام مع حلفائهم المفترضين، بينما الإيرانيون الوحيدون الذين يمتلكون مشروعاً واضحاً في المنطقة.. مبروك!