ليس فقط لأنّ خروج وزير الطاقة السابق، د.إبراهيم سيف، شكّل صدمة للنخبة السياسية عموماً، ولشريحة واسعة من الرأي العام، بل لأنّ الرئيس لا يقول شيئاً للرأي العام والمواطنين، ولا نجد له خطاباً سياسياً، ليخبرنا، مثلاً، عن الرسالة الثاوية وراء التعديل الحكومي، بدلاً من “جبال التحليلات” والألغاز التي تراكمت منذ أيام فقط، على أثر التعديل الصدمة!
إذا كان الأمر مرتبطاً بما أصبح يطلق عليه “معايير الأداء”، وهو مصطلح مهم ومقنع لتطوير الإدارة العامة، ألم يكن ذلك يتطلب ولو حديثاً عاماً لدى الرئيس عن الفلسفة الجديدة في إدارة الدولة وتقييم أعمال الفريق الوزاري، على الاقل من أجل باقي أعضاء الفريق، كي لا يتفاجؤوا بخروجهم بعد تعديل جديد، من دون أن يعرفوا لماذا؟ ونعود جميعاً للعبة التحزير كما حدث مع وزير الطاقة، الذي كان الجميع من مسؤولين وكبار رجال الدولة يشيد بعمله خلال الأعوام الماضية، سواء في حقيبة التخطيط أو الطاقة؟!
لا نطالب بأكثر من فهم الرسالة؟! وهل تمّ تقييم الوزراء الآخرين مثلاً؟! وإذا تجاوزنا ذلك نحاول أن نسمع ولو بعض كلمات عن المرحلة الراهنة سياسياً؟ والتحولات الإقليمية المحيطة؟! ما هي أولويات الحكومة في المرحلة القادمة؟! ولو كلاماً سياسياً فضفاضاً عاماً عن المصلحة العليا في اتخاذ القرار في الأردن؟! في النظر إلى الوضع الداخلي؟! الأزمة الاقتصادية؟! بعض الملفات التي أعلنت الحكومة أنّها فتحتها، مثل الفساد الإداري والمالي، أين وصلت؟! ما هي إنجازات الحكومة؛ أي إنجازات؛ مثل القرار الحالي بتقديم خدمات الكترونية لعشر دوائر حكومية؟!
أكثر من عام مرّ على حكومة د.الملقي إلى الآن لم يقدّم خطاباً سياسياً متماسكاً، لم يعرف الأردنيون المغرمون بالسياسة وتفاصيلها شخصية الرئيس، مقارنةً بأي رئيس سابق، لو سألتهم عنه لوجدت أغلبية المواطنين لديها مجلدات من المواقف والآراء في تقييمهم؛ حتى عبدالله النسور، الذي دشّن المفهوم الجديد لدور “رئيس الوزراء التكنوقراطي”، والحكومة التكنوقراطية، فإنّ هنالك معرفة واسعة لدى الأردنيين به!
هل عدم معرفة الناس بالرئيس بصورة واضحة تسجّل له أم عليه؟! في ظنّي أنّها أمر سلبي للغاية، حتى وإن كان خلع الموضوع السياسي من عنقه! فإنّ هنالك موضوعات داخلية ضخمة وعديدة تتطلب رسالة قوية من الدولة؛ ما يتعلق بالإدارة العامة، بالأزمة الاقتصادية، بمشروع استعادة القانون،..الخ.
مع ذلك، من الضروري الإشارة هنا إلى أنّ مفهوم الحكومة التكنوقراطية بحاجة إلى إعادة تعريف وتدقيق، ودور رئيس الوزراء في الشأن السياسي! فمثل هذا “التجفيف السياسي” لعلاقة الحكومة ورئيسها بالمواطنين يخلق فراغاً واضحاً، وهو غير مبرر، في منطقة تمور بالتطورات السياسية والأمنية الخطيرة، وفي ظل حالة داخلية بحاجة إلى رسالة سياسية قوية من الدولة للتعامل معها، وليس العكس، كما يحدث حالياً؟!
إذا كانت النخبة السياسية تائهة، فكيف الحال بالمواطنين والرأي العام والرسالة الإعلامية، فهل المطلوب أن نستحضر العفاريت لتشرح لنا ما يحدث؟!