عروبة الإخباري- عين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حكومة جديدة بعد يوم واحد من الإعلان عن اسم رئيس الوزراء الجديد عبد المجيد تبون، الذي يعتبر سادس رئيس وزراء وحكومة يعمل مع الرئيس بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم سنة 1999، وهذه الحكومة تحمل الرقم 18 في 18 سنة من الحكم، بمعنى حكومة واحدة كل سنة، حتى وإن كان عدد رؤساء الحكومات ورؤساء الوزراء قليلاً مقارنة بعدد الحكومات.
وتعتبر هذه أول حكومة أزمة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن حكومة عبد المالك سلال الأولى عينت في وقت كانت فيه البلاد تسبح في بحبوحة مالية أصابت من يحكمون البلد بالدوار، بدليل أن سلال كان يجوب الولايات قبيل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2014 وهو يوزع الأموال والوعود، والجميع يذكر قوله للمواطنين كلوا وانفقوا الخير كثير، وما هي إلا أشهر معدودة حتى اصطدمت الحكومة بواقع مرير وهو أن البحبوحة المالية كانت هلامية، وأنه مع انهيار أسعار النفط سقطت كل الوعود وتبخرت كل الأحلام، ووجدت حكومة البحبوحة المالية نفسها أمام إلزامية تسيير مرحلة الأزمة والتقشف، وراحت تبحث عن حلول سريعة لأزمة طويلة كانت نتاج تسيير كارثي لفترة البحبوحة المالية، التي غلب عليها الإنفاق والبذخ وارتفاع فاتورة الاستيراد، ورغم محاولات عدة وحديث عن نموذج اقتصادي جديد، وعن ضرورة الخروج من التبعية النفطية، إلا أن خطوات الحكومة السابقة بدت عرجاء وغابت عنها الرؤية الواضحة، لذا فإن حكومة عبد المجيد تبون، هي حكومة أزمة، جاءت في وقت لم يعد بإمكان السلطة فيه أن تبيع الأوهام لا إلى نفسها ولا إلى عموم الجزائريين.
كما أن الحكومة الجديدة تمثل فرصة ربع الساعة الأخير بالنسبة للولاية الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يريد، حسب المقربين منه، أن يترك الجزائر في صورة أفضل من تلك التي هي عليها اليوم، لأنه لم يتبق إلا أقل من عامين على نهاية الولاية الرابعة، وأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن جرت في موعدها ستكون في ربيع 2019، حتى وإن كانت الكثير من المؤشرات توحي بأنه سيترشح مجدداً سنة 2019، وأن محيطه سيضغط عليه من أجل الاستمرار في الرئاسة مدى الحياة، مثلما فعل المحيط ذاته في انتخابات 2014، عندما أصر على ترشيحه لولاية رابعة، رغم وضعه الصحي.
وعلى المستوى الدولي ستكون الحكومة الجديدة أمام تحديات أخرى، ففي فرنسا التي تعتبر أهم دولة بالنسبة إلى الجزائر يوجد رئيس جديد شاب (39 عاماً) وتوجه سياسي جديد اختار الرئيس إيمانويل ماكرون أن يشقه بين اليمين واليسار، صحيح أن ماكرون على الورق هو صديق الجزائر، كما قال وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة، لكن لا يمكن الجزم بشيء، فهو عندما قال هذا الكلام لم يكن يتصور أن يجد نفسه خارج الحكومة بعد أسابيع قليلة، بالإضافة إلى أن الحكومة الجديدة سيكون عليها تسيير العلاقات مع المغرب، التي ازدادت توتراً في الفترة الأخيرة، والتي يصعب التفاؤل برؤيتها تتحسن على المدى القريب على الأقل، لأن تبون من المتشددين في ملف العلاقات مع المغرب، حتى وإن كان من يرسم معالم السياسة الخارجية للجزائر، وخاصة لما يتعلق الأمر بالدول المهمة، هو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن غيابه عن المشهد سيمنح حضوراً أكبر لرئيس الوزراء الجديد.
ويرى المحلل السياسي نجيب بلحيمر أن الجزائريين كانوا يتطلعون إلى حكومة جديدة تستجيب للتحديات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية، غير أن الوجوه الجديدة لا تحمل الخبرة الكافية، ففي قطاعات حساسة مثل المالية والصناعة تم تعيين أشخاص لم يسبق لهم أن تولوا مناصب وزارية، وليست لديهم أفكار حول كيفية تجاوز حالة الركود التي تعرفها بعض القطاعات، وحتى إذا كانت بعض الحقائب قد أسندت لكوادر لديها خبرة تقنية، فإن أسماء أخرى تبدو معارفها نظرية تماماً، كما هو حال وزير الصناعة الذي تولى رئاسة لجنة المالية في البرلمان، مع ما نعرفه عن الدور المحدود للبرلمان في الجزائر.
وأضاف في تصريح لـ«القدس العربي» بأن الحكومة الحالية ستعمل على تنفيذ السياسات التي ورثتها عن سابقتها، فهناك النموذج الاقتصادي الجديد الذي تم الإعلان عنه سابقاً، وسيتم اتخاذ مزيد من قرارات التقشف، من خلال تقليص الواردات، على اعتبار أن رئيس الوزراء عبد المجيد تبون كان قد تولى حقيبة التجارة بالنيابة خلال الأشهر الأخيرة، بعد وفاة وزير التجارة السابق بختي بلعايب، وقد أظهر تبون ميله إلى هذا الخيار. وذكر أنه على المستوى السياسي لا يمكن أن نصف الحكومة الحالية بأنها حكومة توافق، فلا وجود للمعارضة فيها، غير أن تعيين عبد المجيد تبون على رأسها يشير بوضوح إلى أن عامل الولاء والثقة كان حاسماً في تحديد تشكيلتها، حيث احتفظ المقربون من محيط الرئيس بحقائبهم، وتم إنهاء بعض التجاذبات حول الصلاحيات، من خلال التخلي عن وزير الخارجية رمطان لعمامرة، ويبدو تنظيم انتخابات رئاسية (في حينها أو مسبقة إذا حدث طارئ) في صلب مهام الحكومة الجديدة، واختيار عبد المجيد تبون كوزير أول مؤشر قوي على ذلك.
وأشار بلحيمر إلى أن الميزة الأساسية لتبون هي حرصه على عدم إظهار أي طموح سياسي، فهو من ناحية الخلفية البيروقراطية والعمل في مناصب إدارية يشبه إلى حد ما أحمد أويحيى مدير الديوان الرئاسي وزعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، لكنه لا يظهر طموح أويحيى السياسي، فهو يكتفي بلعب دور الموظف الكبير، وحتى في تصريحاته لا ينسى أبداً ربط كل ما يفعله بالرئيس بوتفليقة، والتذكير بأن كل ما ينجز يحسب لبوتفليقة وحده، وقد كان تقليده وسام العشير اعترافاً له بالنجاح في أداء مــهمته.(القدس العربي)