شارك جلالة الملك عبدالله الثاني، أمس، في أعمال القمة العربية الإسلامية الأميركية، التي استضافتها المملكة العربية السعودية، بحضور زعماء وقادة دول عربية وإسلامية والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
من جهته، دعا ترامب في القمة كل الدول الى العمل من اجل “عزل” ايران، متهما إياها بإذكاء “النزاعات الطائفية والارهاب”، فيما، اعتبر العاهل السعودي الملك سلمان ان النظام الايراني “رأس حربة الارهاب العالمي”.
وألقى جلالة الملك كلمة في القمة، وفيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي العربـي الهاشمي الأمين.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، فخامة الرئيس دونالد ترامب، أصحاب المعالي والسعادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فيسرني في البداية أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وإلى المملكة العربية السعودية على استضافة هذه القمة وكرم الضيافة.
فخامة الرئيس ترامب، أود التعبير عن تقديري لحرصك على التواصل مع الدول الإسلامية في بداية جولتك الخارجية الأولى، كرئيس للولايات المتحدة.
نلتقي اليوم لنطور رداً فاعلاً على التهديدات الخطيرة التي تواجه عالمنا، ومن شأن المواقف والأفعال التي نتبناها اليوم أن تحدد مستقبلنا في قادم الأيام، لذلك يتوجب علينا أن نعمل بشكل تشاركي ضمن أربعة محاور رئيسية، وأود أن أتطرق لكل منها بشكل مختصر: أولاً وقبل كل شيء، أمامنا تحدي الإرهاب والتطرف.
النهج الشمولي هو الطريق الوحيد لمواجهة الوجوه المتعددة والمعقدة لهذا الخطر، من أفكاره الظلامية إلى تهديده للازدهار والأمن، وكما ذكرت، هذا يتطلب عملاً دولياً منسقاً على مختلف المستويات.
الثقة المتبادلة والقوة مطلوبتان لتحقيق النجاح، فليس بالإمكان الانتصار في هذه المعركة إن لم نفرق، وبكل وضوح، بين الأصدقاء والأعداء، فعلينا أن نعرف من هو الصديق ومن هو العدو.
إن المجموعات الإرهابية توظف هوية دينية زائفة بهدف تضليل واستقطاب مجتمعاتنا وشعوبنا. دعونا هنا نؤكد بوضوح: إن العصابات الإرهابية لا تمثل مجموعة تتواجد على هامش الإسلام، بل هي خارجة تماماً عنه. هؤلاء هم الخوارج. العرب والمسلمون يشكلون الغالبية العظمى من ضحاياهم.
التعصب والجهل يعززان العصابات الإرهابية، ومن المهم أن نساعد الجميع في كل مكان على فهم هذه الحقيقة.
فخامة الرئيس، التحدي الرئيسي الثاني البالغ الأهمية يتمثل في الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يستند إلى حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وهذا سيضمن نهاية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وسيحقق السلام للجميع: الإسرائيليون، والعرب، والمسلمون.
لا يوجد ظلم ولـّد حالة من الغبن والإحباط أكثر من غياب الدولة الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية في المنطقة، وهو ما أدى إلى امتداد التطرف وعدم الاستقرار ليس في منطقتنا فحسب، بل أيضاً إلى العالم الإسلامي.
وللمجتمع الدولي مصلحة مباشرة في تحقيق سلام عادل، وقد قدم العالم العربي والإسلامي كامل الدعم لإنجاح المفاوضات.
وهنا، أود أن أشكرك، فخامة الرئيس ترامب، لإصرارك على العمل من أجل الوصول إلى حل لهذا الصراع المتفاقم، ونحن سندعم جهودكم ونعمل معكم كشركاء.
ثالثاً، حماية القدس يجب أن تكون أولوية، فالمدينة المقدسة ركيزة أساسية في العلاقات بين أتباع الديانات السماوية الثلاث. إن أي محاولات لفرض واقع تفاوضي جديد على الأرض في القدس ستؤدي إلى عواقب كارثية.
علينا العمل معاً لتفادي هذه المخاطر، وبالنسبة لي شخصياً ولكل الأردنيين، فإن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس مسؤولية تاريخية راسخة ولا حياد عنها، ونتشرف بحملها نيابة عن الأمتين العربية والإسلامية.
فخامة الرئيس، المهمة الرئيسية الرابعة هي تعزيز وعي الشعوب بأهمية القيم التي ستحمي وتثري مستقبل الإنسانية، وهي الاحترام المتبادل، والتعاطف، وقبول الآخر.
لقد بات صوت الإسلام السمح هو الأقوى في العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، وعلينا أن نستمر في البناء على ذلك.
نفخر أننا أطلقنا قبل إثني عشر عاماً رسالة عمان، والتي حظيت بإجماع عالمي تاريخي من علماء المسلمين حول تعريف من هو المسلم، ورفض التكفير، والاعتراف الصريح بشرعية مذاهب الإسلام الثمانية.
وتكشف رسالة عمان، ضمن محاورها الثلاثة، الادعاءات الكاذبة التي يسعى أصحابها إلى استغلال الدين لنشر بذور الفرقة بيننا. وكما قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم.
فخامة الرئيس، يثري نحو مليارين من المسلمين والمسلمات عالمنا بطيبتهم، وكرمهم، وإيمانهم بالعدالة، والتزامهم بواجباتهم المدنية والعائلية ومبادئ الدين الحنيف، فهم يمارسون في حياتهم تعاليم الإسلام التي تدعو إلى قبول الآخر، والتواضع أمام الله تعالى، والتعاطف، والتعايش السلمي.
مستقبلنا يقوم على الأفعال، لا الأقوال، وجميعنا معرضون للمساءلة عن مدى التزامنا بمحاربة التطرف بكل أشكاله.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، فخامة الرئيس دونالد ترامب،
أصحاب المعالي والسعادة، لا بد لنا من تعزيز جهودنا المشتركة، حتى نتمكن بعون الله تعالى، من خدمة شعوبنا وأجيالنا القادمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
وضم الوفد الأردني إلى القمة رئيس الديوان الملكي الهاشمي، ووزير الخارجية وشؤون المغتربين، ومستشار جلالة الملك، مقرر مجلس السياسات الوطني.
ترامب يدعو إلى عزل إيران
دعا دونالد ترامب في خطاب ألقاه في القمة كل الدول الى العمل من أجل “عزل” ايران، متهما إياها بإذكاء “النزاعات الطائفية والارهاب”.
وقال الرئيس الاميركي امام قادة دول عربية ومسلمة “من لبنان الى العراق واليمن، ايران تمول التسليح وتدرب الارهابيين والميليشيات وجماعات متطرفة اخرى تنشر الدمار والفوضى في أنحاء المنطقة”.
واضاف “على مدى عقود أشعلت ايران نيران النزاع الطائفي والارهاب”.
وتابع “على كل الدول التي تملك ضميرا، ان تعمل معا لعزل ايران”، مضيفا “علينا ان نصلي ليأتي اليوم الذي يحصل فيه الشعب الايراني على الحكومة العادلة التي يستحقها”.
وغالبا ما ينتقد ترامب السلطات الايرانية والاتفاق النووي الذي وقع معها في عهد الرئيس السابق باراك اوباما.
كذلك، حض الرئيس الاميركي في خطابه قادة الدول العربية والمسلمة على “عدم تقديم ملاذ للارهابيين” و”اخراجهم” من هذه الدول، مؤكدا في الوقت ذاته انه يحمل الى العالمين العربي والاسلامي “رسالة صداقة وأمل ومحبة”.
وقال ترامب “أخرجوهم من أماكن عبادتكم. أخرجوهم من مجتمعاتكم”، مضيفا “على كل دولة في المنطقة واجب ضمان الا يجد الارهابيون ملاذا على اراضيها”.
وشدد ترامب على انه يحمل رسالة “صداقة وامل ومحبة”، وقال “علينا الانفتاح واحترام بعضنا البعض من جديد، وجعل هذه المنطقة مكانا يمكن لكل رجل وامرأة، مهما كان دينهما او عرقهما، ان يتمتعا فيه بحياة ملؤها الكرامة والامل”.
واعتمد ترامب في خطابه لهجة مختلفة تماما عن تلك التي اعتمدها خلال حملته الانتخابية في مقاربته للاسلام والتي اتهم بسببها بإذكاء العداء للاسلام.
وتجنب استخدام عبارة “الارهاب الاسلامي المتطرف” التي تستفز كثيرين في العالم الاسلامي وتكررت في معظم خطابات الملياردير المثير للجدل اثناء حملته الانتخابية.
إيران رأس حربة الارهاب
بدوره، اعتبر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ان النظام الايراني “رأس حربة الارهاب العالمي”، مؤكدا عزم المملكة على القضاء على “كل التنظيمات الارهابية”.
وقال في خطاب افتتح به أعمال القمة “النظام الايراني يشكل رأس حربة الارهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم”، مضيفا “لم نعرف ارهابا وتطرفا حتى أطلت ثورة الخمينية برأسها”.
وتتهم السعودية جارتها إيران بالتدخل في شؤون دول المنطقة. لكن طهران تنفي الاتهامات السعودية لها، وتتهم في المقابل الرياض بدعم جماعات إسلامية متطرفة.
وقال سلمان ان “النظام الايراني وحزب الله والحوثيين وداعش والقاعدة متشابهون”، واتهم طهران برفض “مبادرات حسن الجوار التي قدمتها دولنا وبحسن النية واستبدلت ذلك بالاطماع التوسعية والممارسات الاجرامية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى”.
وتابع “لقد ظن النظام في ايران ان صمتنا ضعف وحكمتنا تراجع حتى فاض بنا الكيل من ممارساته”.
وأكد الملك السعودي عزم المملكة “القضاء على تنظيم داعش وكل التنظيمات الإرهابية ايا كان دينها او مذهبها او فكرها”، مضيفا “ان مسؤوليتنا امام الله ثم امام شعوبنا والعالم أجمع ان نقف متحدين لمحاربة قوى الشر والتطرف ايا كان مصدرها”.
وشدد على ضرورة “العمل على مكافحة الارهاب بكافة صوره واشكاله وتجفيف منابعه ومصادر تمويله”، مشيرا الى ان “الدول العربية والاسلامية التي تجاوزت 55 دولة وعدد سكانها قرابة المليار ونصف المليار تعد شريكا مهما في محاربة قوى التطرف والارهاب”.
وتابع الملك سلمان “الاسلام دين الرحمة والسماحة والتعايش”.
وتعهد قائلا “اننا لا نتهاون ابدا في محاكمة كل من يمول او يدعو الى الارهاب باي صورة”.
السيسي: التصدي للإرهاب دون تمييز
قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمته أمام القمة، إن الحديث عن التصدي للإرهاب على نحو شامل يعني مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز، فلا مجال لاختزال المواجهة في تنظيم أو اثنين، فالتنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية تجمعها روابط متعددة في معظم أنحاء العالم، تشمل الأيديولوجية، التمويل، التنسيق العسكري والمعلوماتي والأمني.
وأضاف “لا مجال لاختصار المواجهة في مسرح عمليات واحد دون آخر، وإنما يقتضي النجاح في استئصال خطر الإرهاب أن نواجه جميع التنظيمات الإرهابية بشكل شامل ومتزامن على جميع الجبهات. وفي هذا السياق، تعلمون جميعا أن مصر تخوض يومياً حرباً ضروساً ضد التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء، نحقق فيها انتصارات مستمرة وتقدماً مطردا، نحرص على ضبط وتيرته ونطاقه بحيث يتم استئصال الإرهاب بأقل خسائر ممكنة، مع الحفاظ على أرواح المدنيين من أبناء شعبنا”.
الى ذلك، الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، قال، إن هذه القمة تؤكد للعالم أن الدول الاسلامية حريصة على التعاون مع الدول الصديقة والحليفة لمواجهة ظاهرة الارهاب والمتنامية اهدافها وانها تمثل ردا وتصديا للاتهامات التي تتعرض لها الدول الاسلامية بالادعاء برعايتها للإرهاب والتستر عليه لتعطي بذلك الصورة المشرقة للاسلام الرافض للتطرف والتشدد والدعي للتسامح مع كل الاديان .
واضاف “قمنا في دول مجلس التعاون الخليجي بإجراءات عديدة ومبادرات متعددة على المستوى الاقليمي والدولي للإسهام في الجهود الهادفة الى نبذ التطرف واشاعة روح التسامح” وفي اليوم الاول من زيارة ترامب للسعودية، وقعت الولايات المتحدة والسعودية عقود تسليح بنحو 110 مليارات دولار اكد وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون انها موجهة ضد “التأثير الايراني السيئ” في الشرق الاوسط.
قمة أميركية خليجية
وكانت سبقت القمة العربية الإسلامية الاميركية قمة خليجية اميركية تم خلالها التوقيع على مذكرة تفاهم لانشاء مركز لمكافحة “تمويل الارهاب”.
واوردت وكالة الانباء السعودية الرسمية انه تم “تبادل مذكرة تفاهم بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة لتأسيس مركز لاستهداف تمويل الإرهاب” بحضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وترامب وقادة الخليج.
ولم تقدم توضيحات اضافية حول كيفية عمل المركز او البلد الذي سيستضيفه.
ووقعت على مذكرة التفاهم السعودية والامارات والبحرين وسلطنة عمان وقطر والكويت.
في موازاة ذلك، التقى ترامب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في مستهل اليوم الثاني من زيارته، مؤكدا ان التوترات التي شابت العلاقات الخليجية الاميركية في عهد اوباما لن تتكرر مع إدارته.
كما التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصفه بـ”الصديق”، واعلن نيته زيارة مصر قريبا.
وكان ترامب استقبل في اليوم الاول من أول زيارة له الى الخارج السبت بحفاوة بالغة، وحصد عقودا بلغت قيمتها أكثر من 380 مليار دولار، بينها 110 مليارات هي قيمة عقود تسلح تهدف الى مواجهة “التهديدات الايرانية”.
ويغادر الرئيس الاميركي الـ45 الرياض اليوم متوجها الى إسرائيل، المحطة الثانية في جولة مثقلة بالمواعيد. وسيشارك في بروكسل ثم صقلية في قمتي حلف الأطلسي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.-(وكالات)
الملك: القضية الفلسطينية والقدس ومحاربة الإرهاب أولويتنا
11
المقالة السابقة