عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – يخرج السلطان من عرينه ليستقبله، فهناك تراث متراكم من العلاقات الأخوية الطيبة التي زرع بذورها الملك الراحل الحسين والسلطان قابوس بن سعيد حفظه الله،وقد بقيت هذه العلاقات راسخة تزيل من طريقها كل ما يمكن أن يُعطلها أو يُعيقها فقد ظلت الثقة هي اللّحمة الأساسية لها، كما ظلت الرؤية المشتركة لما يمكن أن يهدد الأمة في واقعها أو يصيب أمنها القومي.
كنت قبل حوالي عامين التقيت معالي وزير الاعلام في سلطنة عمان الدكتور عبد المنعم الحسني، وقد وضعني في صورة العلاقات العمانية الأردنية من بعدها التاريخي، وما أثمرته هذه العلاقات من نتائج لصالح البلدين الشقيقين اللذين مثلا نموذجا حيّا في أمتهما للتعاون والتعاضد على البر ورّد العدوان والتدخل الأجنبي.
لقد ظلت سلطنة عُمان قريبة لنفوس الأردنيين وتقديرهم العالي ،كما ظلت الأردن قريبة لاحساس العمانيين بالاخوة ،شرح الوزير لي آنذاك جوانب لا أعرفها من تاريخ العلاقة، وقد أفدت من ذلك في كتاب حمل اسم “السلطنة والسلطان أمه وقائد” ، وهو عن سيرة السلطان قابوس وعن النهضة العمانية التي صعدت من الصفر حين لم تكن في عمان أية موارد أو مايمكن البناء عليه لنهضة مستقلة ولكن اصرار السلطان قابوس وعزيمتة وتمتعه بارادة قوية مكنته من الأخذ بيد بلاده والصعود بها الى الذروة العالية منافسة بلدان الاقليم والمنطقة، مما تمتعت بثروات كبيرة وزادت عليها بالاستقرار والرضى والتعاقد الاجتماعي المتوازن والمنصف والنبيل بين الحاكم والمحكوم .
عُمان نموذج للاعتدال الذي نبذ التطرف ونموذج للتوازن الذي ابتعد عن الانحياز الأعمى ،ونموذج للمواطن الذي أحب بلده وعمل من أجله ،ونموذج التدين الذي كان هدفه عبادة الله ومرضاتة والابتعاد عن القشور والبدع والتزمت والتكفير.
زيارة الملك عبد الله الثاني ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وقد ظل دائما يُعبر في كل مرة يزور فيها سلطنة عمان ويلتقي السلطان عن ارتياحه وتوقه لتكرار الزيارة ،وقد سمعته في احدى المرات مباشرة يتحدث عن أريحية وكرم السلطان وحرصة على تقديم عُمان كما يجب أن تكون، وعلى وصوله الى كل الناس فيها على ابتعاد مناطقهم وأصقاعهم والسؤال عن أحوالهم في اتصال مباشر لم يكن يحدث الاّ في النموذج الأردني وفي ديموقراطية في أثينا القديمة .
واذ يطوف الملك عبد الله الثاني على أقطار أمته وسط تحديات كبيرة وحرائق مستمرة وخلط عجيب للأوراق يحار فيه الحليم وتبرز على السطح قوى الجهل والتكفير والعنف، فتخطف تراث الأمة وعقائدها لتشويه ذلك فانه يبدأ بسلطنة عُمان حيث الحكمة وتراكم المعرفة، بالمنطقة وحيث الاعتدال والرؤية النزيهه لكل أبعاد الصراعات .
في عُمان كان الملك الراحل يشعر بالسعادة والراحة حين يزور السلطنة وقد كتب ذلك وتحدث لي في احدى المقابلات عن ذلك حيث قال “حين تضيق بي الأرض وتحيطني الهموم وتصعب المسالك أقصد عمان لألتقي مع أخي جلالة السلطان الذي كان يهون علّي،تصغر في عينيه الأشياء ويقدم دائما الحل الأفضل والرؤية الصائبة.
اذن هذه هي عُمان وهذا هو سلطانها وهاهم أهلها الذين قال عنهم الرسول(ص) ” أهل عمان آمنوا بي قبل أن يروني”
في عُمان طبقة سياسية حول السلطان من أبرز الشخصيات العمانية من داخل الحكومة ومن خارجها، استثمر فيها السلطان وعيا وتدريبا وتمكينا وحسا بالمسؤولية الوطنية ،فعُمان خصبة ولودا فيها رجال كان اجدادهم يحملون على اكتافهم أجدادهم امبراطورية ممتدة وهم يختزنون الآن تاريخا موروثا ،كانوا أوفياء له وأمناء عليه ،وهم الآن في وضع يمكنهم من الانتقال المستمر لعُمان باتجاه أهدافها وفي خدمة أجيالها بأسلوب سلس يقوم من تقاليد راسخة ارساها السلطان نفسه.
لاخوف اذن على عُمان رغم التحديات العديدة في المنطقة فالمؤسسات العمانية صلبة ومختبرة وهي قادرة على مواصلة حمل الراية السلطانية والتقدم بها فقد تعلم العمانيون واتعظوا بغيرهم سواء من دول الجوار أو المنطقة وظلوا باستمرار يقدمون النموذج الملفت ،كما ظلو يقبلون الجمع على كل الاطراف ويقيمون سياسات متوازنة ولايحشرون أنفسهم في الزوايا أو ينتصرون لفريق على حساب آخر لأن ذلك في النهاية سيكون على حسابهم .
وعمان لم تكتف بأن تعرف الحق وتتبعة بل أعطت في كثير من الأحيان فائض معرفتها للأشقاء والأصدقاء،والجيران ومدت يد السلام والمصالحة،واعادة البناء للعلاقات مع كثير من الدول الصديقة وحتى غيرها ،والاّ كيف يمكننا أن نتعرف على النموذج العماني الاّ من ماتميز به من جهد انساني ظل يصيب في اطار التعاون والسلام والاخاء الدولي.
أعود للزيارة الملكية المثمرة أمس الأول والتي حملت تطورا أردنيا لما يمكن أن تواجهه المنطقة من سيناريوات مستقبلية سواء فيما يتعلق بالأزمة السورية أو الحالة العراقية أو العلاقات مع الولايات المتحدة والمواقف المستجدة من ايران، وأيضا امكانية انتشال الحالة العربية العامة مما آلت اليه خاصة وأن الاردن الآن يقود القمة العربية عبر عام كامل منذ قمة البحر الميت في آذار الماضي من هذا العام وعليه أن يتعامل مع جملة كبيرة من الملفات المعلقة والساخنة والعاجلة وهو اذ يسترشد بالرأي العماني من السلطان ويستمع للرأي لتكون المشاركة أوسع فانه ظل دائما يحمل لسلطنة عمان وسلطانها التقدير ويحمل منها النصح الذي ظل دائما مخلصا وسديدا.
لقد كانت هناك أكثر من اشاره عُمانية وحتى مبادرة التقطها جلالة الملك عبد الله الثاني من قبل وفي زيارته الأخيرة هذه ،وكلها تصب في اطار المصالحات العربية العربية ،وفي اطار تصفية الأزمات المشتعلة وخاصة الأزمة اليمنية باعتبار سلطنة عُمان هي الأقرب الى اليمن وهي الاكثر خبرة في الشأن اليمني والأكثر استماعا لوجهات النظر المتعددة،كما أنها الجهة التي يثق فيها اليمنيون من كلا الطرفين المتصارعين .
وقد ظل سعيها من أجلهم حميدا وظلت في علاقاتها مع الجوار حتى مع ايران تحتكم في الدرجة الأولى الى علاقاتها الخليجية العريبة ولم تتجاوز واجباتها ولم تأخذ فوق حقوقها وظلت تعلي من صوت العقل وتحذر من الطيش والنزف والتسرع والاستقواء بالآخر.
عُمان في الزيارة الملكية الأخيرة هي عُمان التي عرفناها منذ عقود على ثبات مواقفها ورسوخها وجدية سياساتها وتوازنها ، وستبقى طالما بقي سلطانها وبقي تراثه وحملة رايتة يرون رؤيته.