عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – ظلت جامعة البتراء كما جامعة فيلادلفيا تتميزان بالنشاط الثقافي والفكري عن غيرهما من الجامعات الخاصة ،وكان اختيارهما دائما لصيقا بالحالة الاردنية وما ينفعها أو يساهم في تطويرها خلاف الموضوعات التي تطرحها هروبا من الواقع ،بعض الجامعات الرسمية التي تراجع نشاطها غير المنهجي أو العام نتاج لظروف تتعلق بادارات تلك الجامعات والتدخل فيها والخشية من التغيير.
في جامعة فيلادلفيا ظل الدكتور ابراهيم بدران يحرك الساكن ويعلي من بناء الفكر والثقافة، باسناد من زملاء له شاركوه الرؤية أو الهم الفكري والأكاديمي.
وظل الدكتور عدنان بدران في بترا يحرص على سنة حميدة في اثراء ماتقوم به الجامعة من فكر وما تشيعه من ثقافة وطنية عامة ويزيد عليه، وقد ساعده في ذلك في الجامعة من مجلس الامناء من ادركوا أهمية ذلك وعلى رأسهم اعضاء مجلس الأمناء المهندس مازن الانصاري.
في المؤتمر الهام عن الدولة المدنية وجدنا أوراق هامة وشخصيات مقدرة وذات خبرة ورؤية ومعرفة تتحدث،واعتقد أن ماجاءت به من أفكار ورؤى وتصورات ورأي وما دعت له من خطوات عملية لانفتاح بناء الدولة المدنية وتحديد ملامحها والاشارة الى نقاط الضعف والقوة في المتوفرمن مكوناتها عندنا،أعتقد أن ذلك جدير بأن يجري التوقف عنده والاستفاده منه واعراب كل جمله، فنحن بحاجة الى دولة مدنية مكتملة الأركان قادرة أن تمتص كل هذا الدبق والغبش والغشاوة التي تعتلي ما انجزناه حتى الآن،والذي يحتاج الى اعادة انتاج والى تكرير وتعشيب حتى لايأكل النبت الهجين من هالوك العشائرية والجهوية والطبقية المتوحشة والشللية والمحسوبية ومراكز القوى ماجرى زرعه من بذور كنّا نأمل أن تثمر دولة مدنية تستحق أن تكون لكل مواطنيها.
كل الذين تحدثو على اختلاف مستويات حديثهم وزوايا تناوله كانوا مهمومين من أجل ادراك الدولة المدنية واضحة المعالم والمقاصد،وكلهم شخصوا وتحدثوا وقدموا تصورات ممتازة مستقاه من تجاربهم ومن تجارب الاخرين مما قرأوه في العلوم السياسية أو نقلوه عن دول سبقت وتمتعت وشعوبها بما أنجزت في بناء الدولة المدنية،فالدولة في اعتقادي هي أعظم انجاز معاصر للبشرية المعاصرة الآن وحين تكون مدنية فهي تكون بالاشتراطات الانسانية والاشتراطات الحضارية ،وتكون أكثر تماسكا وتلبية لحاجات مواطنيها والدفاع عن مكاسبهم.
أضعنا وقتا كبيرا وجهدا كبيرا في التشخيص الذي ظل يملأ كل لقاءاتنا ومؤتمراتنا من الميثاق الوطني عام 1990حتى الأردن أولا والأجندة الوطنية وغير ذلك الكثير ولكننا لم نخرج من اطار التشخيص في اعتقادي حتى الآن ولم يعلق أحد جرس التطبيق الذي ظلت تروغ منه حكومات عديدة مختبئة تارة خلف النصوص والتشريعات الجامدة أو خلف جلالة الملك الذي كانت تعطيه لسانا حلوا وتروغ من استحقاقات دعواته وأوراقه وحتى توجيهاته، ويظل السؤال هل توفرت لنا الارادة السياسة لبناء الدولة المدنية واذا كان الجواب بنعم فلماذا تأخرنا ومن الذي يعيقنا وكم يلزمنا من وقت وهل تعوزنا الأدوات للتنفيذ؟ ان كانت الارادة قد توفرت ،واذا كانت الاجابة بلا فاننا سنبقى نراوح في المكان ،وسيبقى ما نقوله ونقدمه من تشخيص لايعني سوى القرارات التاريخية والمدونات في الارشيف والأماني.
وحتى نحسم لا بنعم فان ذلك يحتاج الى اختيار،فقد قرأنا الاوراق النقاشية الملكية وانعقد مجلس الوزراء لقراءة الورقة السابقة الخاصة بالتعليم ولكن ما الذي حدث وماذا يمكن بعد موجه الترحيب والتحليل والتمحيص والكتابة والاشهاران يحدث ؟هل ستحل مشكلات التعليم وقد ندعي أننا أعطينا الورقة السابقة ماتستحق، يبرز السؤال هل أنجزنا شيئا في السادسة أو في الخامسة أو الرابعة وحتى الاولى أم أننا أضئناها بالفلاشات ثم انتقلنا الى مشهد آخر لننتظر الورقة الثامنة القادمة وأين مجتمعنا بل أين مثقفونا من ذلك؟ وهل يزع الوطن بالمثقفين مالم يزع بالقوانين ؟ فالمثقفون في كل ما يقرون من آراء لايعادلون قرارا نافذا يتحول الى صيغة قانونية نافذة تسري في سلوكنا .
كنت اشعر بمتعة المعرفة والتشخيص وانا استمع لورقة الدكتور عدنان بدران في اليوم الاول من مؤتمر الدولة المدنية ،وقد جاءت تحت عنوان الورقة النقاشية السادسة في فكر جلالة الملك عبد الله الثاني والعنوان هو الأقرب لما أرادته جامعة البتراء .
وقد أورد الدكتور بدران أكثر من سمة وتعريف وحدد ملامح الدولة المدنية وما ينبغي أن تكون عليه الدولة من اشتراطات وقوانين ومكونات حتى تكون دولة وتكون مدنية، فهي في اعتقاده ورؤيتة تحت سيادة القانون، وهي حاظنة للمواطنة بمعناها الحقيقي والموضوعي وهو يحذر من الخلط ومن الصيغ التمويهية ويورد الرؤية الملكية في اقتباس من الورقة النقاشية السادسة ،ويرى اختلاف السمات والعلامات الفارقة ومظاهر المرض التي تعتري الدولة الفاشلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وبلدان عربية أخرى اصاب دولها جرب الفرقة والحروب والارهاب وغياب حقوق الانسان ومفهوم المواطنة وتعرضت لاستبداد وحكم الفرد ونهب الطبقة الحاكمة والمتنفذين ومراكز القوى ،وكل ذلك في رؤيته أدى الى القضاء على المواطنة والوحدة الوطنية والدولة المدنية.
ويرى الدكتور عدنان بدران أن الاعراض المرضية القاتلة التي تعتري الدولة وتمنع عنها مدنيتها ،حين تكون مجالا خصبا للواسطة والمحسوبية وهو مايطلق عليه الفساد الاداري.
والدولة غير المدنية مهما كانت قوتها تغيب عنها مفهوم المواطنة الحقة والثقافة المدنية الجامعة وتدخل الصراع مابين الدين والسياسة وتؤجج هذا الصراع لصالح طرف عن طرف آخر.
ويتوقف الدكتور بدران عند مفهوم ديموقراطية الدولة المدنية ليرى أن هذه الصفة راسخة ومثمرة وحامية للأحزاب وموظفة للأمن الوطني لخدمة جميع المواطنين فالديمقراطية هي الرافعة الحقيقية للأمن الوطني وليس أي مظاهر عسكرية أو سلطوية.
ويعود الدكتور بدران مرة أخرى ليمسك بما جاء في الورقة السادسة ليبقى في الاطار الذي أراد لورقته أن تكون فيه ، ليظل في منهجية الورقة والتصاقها بالمؤتمر فيقول:الدولة المدنية تحتكم للدستور وهي في حالتنا تقوم ضمن دستور نيابي ملكي وراثي وتعتمد فصل السلطات الثلاث ،وهي منفتحة عن العالم وتؤمن بالسلامة والعيش المشترك وهي تحمي المجتمع والأفراد على اختلاف الأصول والمنابت والمناسبات والأديان والأعراف والأقليات وتحمي الحقوق والحريات والعبادات وحرية التعبير والاعلام.
ودعا الدكتور بدران الذي استلهم الورقة النقاشية السادسة في ورقتة المقدمة الى المؤتمر الى مناقشة الأوراق الملكية الأخرى بنفس الكيفية وعقد مؤتمرات لها ،وهو يقر من موقع المعاينة أن الأوراق النقاشية تبقى نقاشية ودعوية وتحتاج الى انزالها الى خرائط طريق واستراتيجيات عمل وطنية وتشريعات ونصوص نافذة بعد التوافق والاجماع عليها حتى تساهم في تطوير الواقع وتنتقل به الى مراحل أفضل ،ويضل السؤال عنده وعندنا
كيف نبني الدولة المدنية ؟
أليست هذه الدعوة بحاجة الى مهندسين والى مواد بناء بعد أن توفرت المخططات الورقية؟
هذا هو السؤال وذلك هو الجواب الذي تجادله جامعة البتراء في مؤتمرها مشكورة ومقدرة.