كما كان متوقعاً من قبل، حل الشيخ اسماعيل هنية محل الاستاذ خالد مشعل في رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، بعد إجراء ما يسمى بانتخابات ديمقراطية شورية غامضة، استمرت لعدة أشهر، وشملت قيادات الحركة الاسلامية في الداخل والخارج، ليكون بذلك الشيخ ابو العبد ثالث رئيس لهذه الحركة التي ظلت تعرّف نفسها، حتى الأمس القريب، كفرع فلسطيني من شجرة المنظمة الدولية لجماعة الاخوان المسلمين.
وليس من المؤكد ما اذا كان هناك مرشح آخر تنافس على رئاسة “حماس” باستثناء بعض الانباء التي لا سند لها، ذكرت ان الدكتور موسى ابو مرزوق، وهو اول رئيس لهذه الحركة، كان احد المتسابقين على هذا الموقع، وان تحفظ ايران ذات الكلمة المسموعة داخل اوساط “حماس غزة” الوازنة في هيكل الحركة، قد حال دون وصول الرجل، الذي تسرب له تسجيل تحدث فيه عن باطنية آيات الله، الى اعلى الهرم السياسي للحركة.
كان للمرء ان يغض البصر عن افتقار هذه الانتخابات الى اي قدر من الشفافية، نظراً لظروف “حماس” المحاصرة في غزة والمطاردة في الخارج، لولا أن كل الانتخابات الداخلية السابقة لدى هذه المنظمة الاصولية كانت تجري وراء أبواب مغلقة، بعيداً عن الرأي العام المخاطب بنتيجة التنافس “الديمقراطي” لدى أول فرع اخواني حاز على سلطة ما، وحقق بذلك سابقة غير مسبوقة، على اول ارض من رقعة العالم الاسلامي الشاسعة.
وهكذا، فقد بدت عملية التسلّم والتسليم بين الرئيس السابق والرئيس الحالي لحركة حماس، انتقالاً سلساً، بلا مصاعب ولا مفاجآت ظاهرة للعيان، حتى لا نقول دون معركة انتخابية يمكن الحكم على نزاهتها، وفق معايير المنافسات التقليدية، الجارية في كل الاحزاب والمنظمات، بما في ذلك الاحزاب الفاشية، وهو امر لا يمكن الافتخار به طالما ان مثل هذه الجماعات لا ترى من العملية الديمقراطية، سوى صندوق الاقتراع، وليس غير ذلك من تقاليد وثقافة ديمقراطية.
على هذه الخلفية المعرفية المتواضعة، قد لا يكون التساؤل مهماً حول الفرق بين الرئيسين، الحالي والسابق، لحركة تلاشت فيها الخطوط الدقيقة الفاصلة بين الجناحين؛ السياسي والعسكري، منذ انتخاب يحيى السنوار، أحد قادة كتائب عزالدين القسام، رئيساً للحركة في القطاع المحاصر، الامر الذي يعني زيادة أرجحية الجناح العسكري الراجح اصلاً، في عملية اتخاذ القرار المركزي لـ “حماس” على الارض الوحيدة التي تقف عليها هذه الحركة، وبالتالي تهميش القيادة السياسية، التي باتت هي الأخرى من نصيب جناح غزة.
ومع ذلك كله، فإنه يمكن رؤية بعض الفوارق الضئيلة بين خالد مشعل، الذي لم يزر غزة في حياته سوى مرة واحدة، وكانت بترتيب من المخابرات المصرية مع اسرائيل في عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وبين اسماعيل هنية، الذي لم يغادر قطاع غزة طوال حياته، الا مرتين فقط، كانت إحداهما ايضاً في عهد محمد مرسي، الامر الذي له تأثير خاص على سعة افق الثاني، ومحدودية صلاته مع العالم الخارجي، وربما فهمه لمتطلبات التساوق مع الضرورات، وهضم المتغيرات الجارية خارج القطاع المحاصر.
اذا كانت هناك فروق يعتد بها بين مشعل وهنية، فهي كامنة في وعي ونشأة وخبرات الرجلين، وهي تصب لصالح مشعل المجرّب، وصاحب القدرة على المناورة بين السياسات والخيارات والعواصم، على العكس من هنية خطيب صلاة يوم الجمعة المفوّه، الذي وضعته “حماس” على رأس قائمتها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، ومن ثم تكليف رئيس السلطة الوطنية لصاحب الاغلبية البرلمانية، تشكيل حكومة لم تدم سوى عام واحد.
غير أن ما يسجل لصالح خالد مشعل دهاؤه السياسي ورؤيته الحاذقة، فهو الرجل الذي غادر سرب إيران (حسناً فعل) المسمى “محور المقاومة والممانعة” فاستحق بذلك غضب طهران ودمشق، وتحوّل بذلك الى عبء على “حماس” لا سيما جناحها العسكري ذي الهوى الايراني، الذي ظل راغباً في استعادة العلاقة المالية والتسليحية مع نظام الولي الفقيه، حتى بعد أن أدارت له الجمهورية ظهر المجن، وعقدت رهانها على حركة الجهاد الاسلامي التي لا تشتغل بالسياسة.