عروبة الاخباري _ كتب سلطان الحطاب _ يتوجه الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الى واشنطن وسط تفاؤل بفتح صفحة جديدة اكثر وضوحا واسهل للقراءة في العلاقات الفلسطينية الاميركية التي ظلت اسرائيل بسياساتها تعطل قراءتها وتلقي في وجهها المصاعب والعقبات , فقد ظلت هذه العلاقات بين مدّ وجزر من مقطوعة يشوبها العداء والتحريض الى هادئة ثم سالكة في زمن اتفاق اوسلو حين زار الرئيس عرفات البيت الابيض وتحدث في حديقته ونال جائزة نوبل للسلام .
اليوم يفتح الرئيس ابو مازن في زيارته للبيت الابيض صفحة جديدة ظل راغباً دائما ان يكتب فيها وصف لعلاقات افضل و اعمق لانه يدرك مدى اهمية ان تكون العلاقات الفلسطينية الاميركية مستقرة وفاعلة وقادرة على لجم التغول الاسرائيلي في سياسات الاحتلال ومع توسيع الاستيطان تحديدا .
ولذا فان الاتصال الذي اجراه الرئيس الاميركي رونالد ترامب مع الرئيس ابو مازن في اعقاب توليه للاداره الاميركية اضفى اجواء من الثقة واعاد الاعتبار لهذه العلاقات وميّزها عما مرت به في مراحل سابقة .
لقد كان الاتصال اقراراً اميركياً بان البوصلة لا بد ان تتجه الى العنوان الاساسي للشعب الفلسطيني وهو منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية , وان كل المحاولات المقصودة وغير المقصودة من جانب اطراف اميركية متصهينة او اخرى تلف في فلك اليمين الاسرائيلي او حتى من اطراف تقف الى جانب الادارة الاميركية او على وجه التحديد الى يمينها , وتتلقى تعليماتها لم تنجح بل ان الاتصال الاميركي مع الرئيس عباس قبل هذه الزيارة قد كنس المواقف المتشنجة من امام القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني واوقف كثيرا من معطيات الشغب و ادواته .
في المهمة العباسية ايضا اهداف اخرى غير تأصيل علاقات فلسطينية اميركية , فهناك سرد الرواية الفلسطينية عن الاحتلال وبشاعته واجراءاته وما تقترفه اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة بما في ذلك حقه في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس , اضافة الى مسألة اخرى هامة تتعلق بضرورة جعل العمل الاميركي اكثر جدية بخصوص اقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني وجعل هذه المسالة هي الممكن الوحيد والحل الذي لا بديل له وهو ما ظلت اسرائيل تماطل فيه وتتهرب منه باستمرار توسيع استيطانها وممارسة سياساتها الاحتلالية التمييزية البشعة .
ان المطالبة باقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني هو ما عملت من اجله القيادة الفلسطينية وما زالت تعمل عبر المحافل الدولية ومن خلال دول العالم المختلفة , الى ان يتحقق وهي في سبيل ذلك ظلت تنبه من مخاطر استمرار العقبات التي تضعها اسرائيل في وجه هذا المشروع الوطني الفلسطيني وتستعدي عليه , ولذا فان القيادة الفلسطينية ستؤكد من خلال مهمة الرئيس محمود عباس في البيت الابيض الان على رفض نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس والتحذير من اتخاذ هكذا قرار لجهة تنفيذه لان ذلك يدمر أيّة فرصة للسلام يمكن ان تولدها اي ديناميات جديدة تتولد .
لقد سعت القيادة الفلسطينية باخلاص وباساليب سياسية مشروعة يقرّها العالم وتقبلها الشرعية الدولية ووثائقها وقراراتها في السعي لاقامة الدولة الفلسطينية فكان التوجه للامم المتحدة وتوليد الدولة الفلسطينية التي جرى الاعتراف بها كمراقب , كما سعت القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس ابو مازن في بسط الموقف الفلسطيني امام العديد من دول العالم في اللقاءات التي تمت عبر هذه السنة سواء لمنظمة الوحدة الافريقية في اديس ابابا او في زيارات الرئيس عباس لدول في اسيا من باكستان الى بانغلاديش الى اليابان اضافة الى حضور القمة العربية في البحر الميت في الاردن بفاعلية كانت موقع ملاحظة العديد من المراقبين حين أبعد الرئيس عباس فكرة ايّة مشاريع اقليمية بخصوص القضية الفلسطينية مؤكدا على ان الحل يتمثل في اقامة الدولة الفلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية في قرارات الامم المتحدة التي اقرتها دول العالم وايضا المبادرة العربية للسلام والتي ولدت في قمة بيروت عام 2002 واعيد انتاجها في قمة البحر الميت هذا العام 2017.
اذن مهمة الرئيس عباس في واشنطن قد تفتح مرحلة جديدة يجب ان تكون فيها السياسات الامريكية ازاء القضية الفلسطينية اكثر توازنا وادراكا واخذا بالحقوق الوطنية الفلسطينية ،كما لا بد ان تدرك الادارة الامريكية التي تريد لنفسها سياسة مختلفة عن سابقتها انه لا سلام ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل للقضية الفلسطينية وهذا ما اكدته قيادات عربية عديدة زارت واشنطن في عهد هذه الادارة سواء كان ذلك في زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي او الزيارة التي قام بها الملك عبدالله الثاني والتي صبّت كلها في هذا الاتجاه الذي يخدم زيارة الرئيس محمود عباس الان والتي يحمل فيها وجهة النظر العربية وتحديدا الاردنية والمصرية .
ان الجمود الذي اصاب القضية الفلسطينية كانت المواقف الامريكية المنحازة لاسرائيل سببا رئيسا فيه ولذا فإن المطلوب اليوم ومن خلال تأييد الموقف العربي لمهمة الرئيس عباس ان يعاد تأكيد الموقف الامريكي الايجابي من الاستيطان وان يفعل هذا الوقف في صيغته القديمة قبل ان تتاكل على يد ادارات كان هدفها دائما ارضاء اسرائيل وتسديد الحقوق الفلسطينية لها.
واذا كانت الولايات المتحدة الامريكية في عهد الرئيس ترامب وهو عهد لم تجر قراءته حتى الان بشكل واضح لغموض كثير من مواقف الرئيس وضبابيتها وترددها تريد سلاما واستقرارا في المنطقة وخاصة بعد المساهمات الامريكية في التحالف الدولي لمكافحة الارهاب وبعد الخطوات المشجعة للادارة الامريكية من عديد من القضايا المعقدة القائمة وخاصة القضية السورية .. فإن المطلوب هو حل للقضية الفلسطينية التي ظل عدم حلها يفاقم كافة القضايا الاخرى في الاقليم ويترك اعراضا وينشئ ظواهر خطرة تهدد امن المنطقة واستقرارها ويبعث على مزيد من الصراعات التي نراها ماثلة اليوم.
مهمة عباس جرى التمهيد لها لتنجح من خلال لقاء الرئيس عباس مع الملك عبدالله الاحد 30/4 والدعوة لعودة المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية على قاعدة ان تكون ذات جدوى وان يجري ربط هذه الاعادة مع فتح الملفات كافة لتحريك الحل برمته خاصة وان الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب اطلقت جملة من الافكار الابتدائية التي ما زالت غير واضحة بخصوص صفقة سلام شاملة وهي الافكار التي لا بد للرئيس ابو مازن من ان يسأل عنها ويدعو لبلورتها واتاحة الفرصة للقيادة الفلسطينية ان تساهم فيها بقوة وان تشارك في توليدها حتى تثمر في عمل حقيقي لاقامة الدولة الفلسطينية التي يدرك الرئيس ابو مازن انها لن تقوم الا بتوقيع اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية على شهادة ولادتها.
والمأمول عربيا وفلسطينيا ان يسمع الرئيس ابو مازن في البيت الابيض كلاما جديدا وواضحا فقد عمل الرجل لتسهيل اية مهمة يمكن للولايات المتحدة ان تشارك فيها باخلاص لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.. اذ يمكن للرئيس ان يعود وهو يحمل تصورات محددة او خطة يمكن مناقشتها مع قيادته تكون قادرة على تبرير اعادة الجلوس مع الاسرائيليين على طاولة المفاوضات وايضا قادرة على ان تمكن الفلسطينيين من الوصول الى اهدافهم وتقصير المعاناة الفلسطينية الطويلة والتي تتفاقم الان باضراب الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين عن الطعام وسط صمت عالمي مريب وتعنت اسرائيلي يستخف بالقرارات الدولية وحقوق الانسان ..
وحنى تبرز نتائج هذه الزيارة الهامة والخطيرة فإن لكل حادث حديث.