عروبة الإخباري- يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهاية الشهر الحالي جولة تاريخية تقوده إلى كبرى الدول حول العالم انطلاقاً من الهند ومروراً بروسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى بلجيكا في محاولة لتعزيز الشراكة والتعاون مع هذه الدول في ملفات سياسية وعسكرية واقتصادية ذات أبعاد استراتيجية.
وتكمن أهمية هذه الجولة كونها تأتي بعد أيام من الانتصار الضعيف الذي حققه أردوغان بتحقيق أغلبية ضئيلة في الاستفتاء الذي جرى على حزمة تعديلات دستورية تتضمن تحويل نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي وتوسع صلاحياته، لتكون بمثابة التأكيد على اعتراف العالم بهذه النتائج وتوجيه رسائل للداخل التركي تساهم في تعزيز الاستقرار من خلال التسليم التدريجي للمعارضة بنتيجة الاستفتاء عقب التشكيك الكبير فيها.
لكن الرسائل الخارجية الأبرز تبدو أنها موجهة بالدرجة الأولى إلى الاتحاد الأوروبي الذي دخل في مواجهة مفتوحة مع أردوغان طول فترة الدعاية الانتخابية للاستفتاء وعقب إعلان النتائج، حيث هدد الرئيس التركي بالعمل على إعادة عقوبة الإعدام وربما إجراء استتفاء على سحب ملف انضمام بلاده إلى الاتحاد غير مبالاً بالانتقادات الأوروبية، وواعداً بالعمل على بناء شراكات وتحالفات مع أقطاب دولية أخرى تبدو روسيا والصين أبرزها.
روسيا: الاقتصاد والسلاح يتصدران الاجندة
حسب الإعلان الرسمي التركي، فإن أردوغان من المقرر أن يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 3 أيار/ مايو، بمدينة سوتشي الروسية، وذلك لبحث «مستجدات الملف السوري، وسبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين»، لكن أهمية الملفات الاقتصادية والعسكرية في أجندة أردوغان الفعلية تبدو أكثر أهمية من الملف السوري لتركيا في الوقت الحالي. وفي هذا الإطار من المتوقع أن يتصدر ملف طلب تركيا شراء منظومة الدفاع الصاروخي إس400 من روسيا المباحثات بين أردوغان وبوتين، حيث تهدف أنقرة إلى تسريع الخطوات في هذا الملف الذي يعتبر بمثابة تحول استراتيجي في توجهات أنقرة ثاني أكبر قوة في حلف شمالي الأطلسي الذي اتهمته أنقرة بالمماطلة منذ سنوات في تزويدها بمنظومة باتريوت الدفاعية.
وقبل يومين، قال وزير الدفاع التركي فكري إشيق إن اللقاءات بين مسؤولي البلدين بهذا الخصوص وصلت إلى مرحلتها النهائية، موضحاً أن «حاجة تركيا إلى نظام دفاع جوي وصاروخي، واضحة جدا، لكن مع الأسف فإن دول الناتو لم تقدم أي عرض لنا بهذا الخصوص، كما لم توافق على التبادل التقني والإنتاج المشترك مع تركيا، ولهذا اتجهنا إلى مسار آخر». وشدد الوزير التركي على أنه «لا يمكن دمج منظومة إس 400 مع أنظمة الناتو، ونحن في الأساس لم نقدم طلبا للناتو بهذا الخصوص»، وهو ما قد يصعد مع غضب الناتو الذي يرفض هذه التوجهات التركية ويرى فيها تجاوزاً لمنظومة الحلف المعروفة بـ«الباتريوت».
اقتصادياً، تسعى الحكومة التركية ومن خلال الزيارة المقبلة التي سيشارك فيها كبار المستشارين الاقتصاديين إلى إنهاء ملف إعادة تطبيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين والتي تدهورت أثر العقوبات المتبادلة التي أعقب حادثة اسقاط الطائرة الحربية الروسية على الحدود مع سوريا.
وقال نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك الذي زار موسكو قبل أيام، إنّ المحادثات النهائية بين تركيا وروسيا حول رفع القيود المفروضة على بعض المنتجات التركية من قِبل الأخيرة، ستجري في أيار/ مايو المقبل، واصفاً المحادثات الاقتصادية التي جرت مع روسيا بـ»المثمرة والبناءة»، حيث من المقرر أن يزور وفد اقتصادي روسي برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي أنقرة بداية الشهر المقبل لاتمام مباحثات إعادة تطبيع العلاقات الاقتصادية.
وتأمل تركيا بقرارات روسية نهائية ترفع الحظر المفروض على استيراد الفواكه الطازجة والخضروات التركية، وعلى عمل الشركات التركية في بعض القطاعات كالمقاولات، بالإضافة إلى رفع الحظر عن العمالة التركية، وإعادة إجراءات تأشيرة الدخول بين البلدين إلى سابق عهدها، ورفع القيود على النقل البري بين البلدين. حيث أدت هذه العقوبات إلى خفض التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 28 مليار دولار بعد أن وصل قبيل الأزمة إلى 35 مليار.
والسبت، كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن أن حكومة بلاده تسعى لرفع مدة إقامة مواطني روسيا في تركيا دون تأشيرة (فيزا)، من 60 يوماً إلى 90 يوماً، معتبراً أن علاقات بلاده مع روسيا تمر من منعطف هام للغاية، ولفت إلى أن بلاده تهدف للتوصل إلى اتفاق مع روسيا يسمح بزيارة البلدين عبر الهويات الشخصية.
وبدرجة أقل، على ما يبدو، سوف يبحث الزعيمان الملف السوري وآخر التطورات الميدانية التي أعقبت الهجوم الكيميائي للنظام السوري على خان شيخون وما أعقبة من ضربة أمريكية، بالإضافة إلى التطورات السياسية في جنيف جنيف والمباحثات المتعلقة باتفاق وقف إطلاق النار المتهالك في الأستانة.
أمريكا: أردوغان يعول على اختراق سياسي
تركيا التي عبرت مراراً عن استيائها من سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تعلق آمالاً عريضة ولكن حذرة للغاية على إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب في ظل اشارات متناقضة من قبل إدارة ترامب على تغيير السياسات السابقة المتعلقة بتركيا.
ومن المقرر أن يزور أردوغان واشنطن ويلتقي ترامب لأول مرة يومي 16و17 من الشهر المقبل، حيث من المتوقع أن تتركر المباحثات حول سياسات واشنطن الجديدة في الحرب على الإرهاب وتنظيم الدولة في سوريا والعراق والتعامل مع المتمردين الأكراد في سوريا والعراق، بالإضافة إلى ملف تسليم فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بقيادة محاولة الانقلاب الأخيرة في البلاد.
وتأمل أنقرة أن «تُشجع» ترامب الذي بادر بتهنئة أردوغان بفوزه بالاستفتاء على القيام بمزيد من الخطوات التي يمكن أن تساهم في إسقاط نظام الأسد في سوريا، وأن يزيد من اعتماده على الجيش التركي في العملية التي بدأت تدريجياً ضد تنظيم الدولة في الرقة في سوريا مقابل تقليل الاعتماد على الوحدات الكردية في سوريا ودعم الجيش التركي في حربه على مسلحي حزب العمال الكردستاني في داخل وخارج تركيا، بالإضافة إلى محاولة تغيير الموقف الأمريكي الرافض لتسليم غولن إلى القضاء التركي.
وفي لقاء تلفزيوني قبل أيام، قال أردوغان إنه «واثق بان ترامب سينجز ما فشل الرئيس (باراك) اوباما في انجازه»، في اشارة إلى تسليم غولن، مضيفاً: «زعيما إرهابيا يقيم حاليا في بلد هو حليفنا الاستراتيجي»، ولفت إلى أن بلاده تنوي طلب شراء معدات وتقنيات عسكرية من واشنطن لمساعدتها في الحرب على الإرهاب.
كما سيتكرر لقاء ترامب وأردوغان اللذين تحدثا هاتفياً قبل أيام على هامش القمة المقبلة لحلف شمال الأطلسي «ناتو» التي تستضيفها بروكسل يومي 29 و30 مايو/أيار المقبل، حيث يجري وزيري خارجية البلدين تحضيرات متواصلة للقاءات المقبلة بين الزعيمي.
اقتصادياً، أكد أردوغان على ضرورة رفع حجم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين تركيا والولايات المتحدة إلى 50 مليار دولار، فيما توقع أن تكون زيارته إلى أمريكا «مثمرة». وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والولايات المتحدة نحو 17.5 مليار دولار خلال العام 2015.
الصين: اختراق تجاري ومنطقة حرة
في الصين، يشارك أردوغان يومي 14 و15 مايو/أيار، في منتدى «الحزام والطريق» المقرر انعقاده في العاصمة الصينية بكين، بمشاركة زعماء 28 دولة، حيث يناقش المنتدى قضايا عديدة منها الاقتصاد والتجارة والمال والتكنولوجيا والثقافة والتعليم والطاقة والبنية التحتية في إطار مشروع يقضي بإعادة إحياء طريق الحرير التاريخي.
وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، قال إن بلاده تسعى خلال الأيام المقبلة لإنشاء منطقة حرة صينية على أراضيها لأغراض الإنتاج والخدمات اللوجستية، مضيفاً: «أردوغان يجري زيارة إلى الصين خلال مايو، يعقبها لقاءات لنا مع الجهات المعنية في الصين. سوف نحول ذلك إلى علاقة مبنية على المصالح المتبادلة والعادلة بين الطرفين»، حيث تسعى تركيا إلى رفع صادرتها التي لا تتجاوز 3 مليار دولار إلى الصين مقابل وارداتها التي تتجاوز 25 مليار.
والاسبوع الماضي، بحث رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، في أنقرة مع ليو ياندونغ نائب رئيس الوزراء الصيني، تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات الثقافية والتربية والعلوم والتكنولوجية، لافتاً إلى رغبة تركيا في تطوير العلاقات مع الصين في كافة المجالات. وخلال الزيارة، سيسعى أردوغان إلى كسب مزيد من الدعم الصيني لجهود بلاده في الانضمام إلى منظمة «شنغهاي» للتعاون التي حصلت تركيا فيها قبل أشهر على صفة «شريكة حوار»، حيث اعتبر المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية في تصريح صحافي الشهر الماضي أن «تركيا بلد مهم في منطقة أوراسيا، وشريك هام لمنظمة شنغهاي للتعاون».
وفي الهند التي تشكل المحطة الأولى في الجولة التي تبدأ نهاية الشهر الحالي يشارك أردوغان في منتدى الأعمال التركي الهندي يوم 30 أبريل/نيسان الحالي، وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ توليه منصب رئاسة الجمهوري، وسيلتقي الرئيس الهندي ونائبه، ورئيس وزرائه لبحث تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي.
ختام الجولة سيكون في بروكسل حيث سيشارك أردوغان في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العاصمة البلجيكية، والتي يشارك فيها ترامب والزعماء الأوروبيين وستركز على بحث مسائل مكافحة الإرهاب وزيادة الإنفاق على الدفاع.(وكالات)