أقرّ مجلس الوزراء في جلسته أول من أمس مشروعاً معدّلاً لقانون العقوبات، بما يشمل العديد من المجالات (كما لخّصها لنا تقرير “الغد”)، بعد أن زادت الدعوات والضغوط على الحكومات لإجراء هذه التعديلات، من أجل تشديد العقوبات، وإظهار عدم التهاون في تطبيق القانون وفي هيبة الدولة.
وفق التقرير المنشور، فإنّ مشروع القانون الجديد يزيل المادة المخففة من جريمة الاغتصاب، وذلك جيّد، ويعزز العقوبات على مجموعة من الأعمال التي انتشرت في الآونة الأخيرة، مثل: الاعتداء على المال العام، والموظف العام في مكان عمله، وسرقة المركبات، وشغب الملاعب، وإطلاق العيارات النارية، وتزوير الشهادات، والاعتداء على المياه.
كما تناول المشروع الجديد إجراءات أكبر لحماية النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال تشديد العقوبات على من يقوم بإيذائهم.
تشديد العقوبات كان أمراً ضرورياً، وما شملته التعديلات من قضايا شهدت بالفعل خلال الأعوام الماضية تهاوناً وتراخياً من قبل الدولة، ولم تكن العقوبات في التشريعات تتناسب مع ارتفاع حجم ونوعية تلك الجرائم والمخالفات في المجتمع.
مع ذلك، فإنّ السؤال المهم الذي من المفترض أن يترافق مع إقرار التشريع الجديد، هو فيما إذا كان تشديد العقوبات وحده يكفي ليكون رادعاً ومناسباً لتكاثر الجرائم السابقة، وغيرها، وللسير نحو دولة القانون والتأكيد على هيبة الدولة وقدرتها على منع انتشار الجريمة والمخالفات والانحراف؟..
بالضرورة، تغيير التشريعات يمثّل جزءاً رئيساً من الخطوات المطلوبة، لكن “فقر الدم” الحقيقي لدينا، في الأردن، وربما في أغلب الدول العربية، وفي الثقافة العربية عموماً، هو في الثقافة القانونية نفسها، وفي إدراك وفهم القوانين والالتزام بها. فكثيرا ما نسيّر حياتنا اليومية بكافة مجالاتها بعيداً عن القانون وفهمه، حتى نصطدم به عندما نواجه مأزقاً أو موقفاً نتفاجأ بالنصوص القانونية، التي من المفترض أن تكون معالم واضحة تحدد لنا الحقوق والواجبات!
أحد الأمثلة المهمة التي تكشف الفرق بيننا وبين الدول الأخرى في الثقافة القانونية هو التعامل مع ضريبة الدخل من قبل المواطنين ورجال الأعمال، واحتراف عملية التحايل عليها، فلو كانت هنالك عقوبات مشددة، وإدراك من قبل الشريحة العامة من المواطنين بأنّ هذا التصرف بمثابة جريمة حقيقية، لما وجدنا هذا الحجم الكبير من التهرب الضريبي!
ثمة ثقافة منتشرة في أوساطنا لا تكترث بالقوانين، ولا بفهمها وقراءتها، لذلك من الضروري أن تتوازى عملية تشديد العقوبات، ومواجهة انتشار الجرائم والمخالفات، وعملية بناء دولة القانون والمواطنة، مع عملية طويلة المدى في تغيير هذه الثقافة، وإحلال ثقافة يومية تهتم في فهم القوانين وإدراكها والتقيد بها ومعرفتها.
التغيير الثقافي المنشود لم يعد ترفاً اليوم، وإلاّ فإنّ المخالفات ستستمر، والعقوبات ستؤدي إلى تعقيدات أكبر، مع مجتمع نسبة كبيرة من أفراده لا تعرف العقوبة إلاّ بعدما تقع في الجريمة أو المخالفة. أمّا وسائل التغيير الثقافي المطلوبة فتبدأ بحملات إعلامية واسعة ومكثفّة لشرح التغييرات والتعديلات وتقديم الأهداف والأسباب الموجبة لها، وتبيان أنّها جزء من “مسار متكامل” يهدف إلى تكريس مفاهيم وقيم وثقافة جديدة في المجتمع، توقف عملية الاستهتار بالمخالفات وبتطبيق القوانين، هذا أولاً.
أمّا ثانياً، فمن الضروري استدخال مفاهيم القانون وأهميته وبعض التشريعات والقوانين المحلية والدولية في مناهج التربية والتعليم، كي تزرع هذه الثقافة مع الجيل القادم زراعة، ويفهم معناها.