في تقريره عن الاقتصاد الاردني، أشار البنك الدولي إلى”تحديات يتوجب التصدي لها”. ذلك أن الدراسات تشير إلى “أن معدل نمو الاقتصاد سيكون 2.3% في عام 2017 بينما سيتحرك إلى 2.6% خلال السنوات الثلاث القادمة”. وهذه نسب متواضعة للغاية، لازمت الاقتصاد الوطني منذ عدة سنوات وكانت نتائجها الاقتصادية و الاجتماعية سلبية للغاية. حتى لو وصلت إلى 3% كما يتوقع وزير الصناعة و التجارة فإن ذلك لن يغير من جوهر الحالة شيئا يذكر. واذا اخذنا معدل النمو السكاني والذي يزيد عن 2.6% سنويا، بل يتجاوز مع اللاجئين 4%،فمعنى ذلك أن معدل دخل الفرد الأردني هو في تناقص. وهذا سيؤدي إلى اتساع مساحة الفقر و صعوبة مواجهة تكاليف المعيشة، ويؤدي إلى استمرار تراجع الطبقة الوسطى. و معنى ذلك انه ينبغي أن ينظر إلى التقرير كجرس تنبيه وانذار، وليس مجرد وثيقة عادية. فمعدل النمو هذا لن يستطيع أن يولد سنويا فرص عمل جديدة اكثر من 30 ألف إلى 45 ألف فرصة عمل حقيقية (قائمة على التوسع في الاستثمار والاضافة إلى الهيكل الاقتصادي)، في حين أن المطلوب سنويا هو ما معدله 100 ألف فرصة عمل للأردنيين فقط.
والسؤال هل ستعتبر المؤسسات الرسمية تقرير البنك الدولي واحداً من التقارير التقليدية الدورية التي يكتفى بقراءتها و الإطلاع عليها؟ أم أنه سيترتب عليه سلسلة من الاجراءات المدروسة المتكاملة ينبغي الدخول فيها حتى يتوقف التراجع،ويبدأ التحرك إلى الامام؟ فذلك غاية في الأهمية،خاصة في هذه الظروف السياسية المعقدة، حيث تتراجع حجوم المنح والمساعدات، و تتواصل الحروب الاهلية حولنا، ويتعمق اليأس و الإحباط والشعور بالمظلومية،ما يدفع بالشباب إلى الإنكفاء أو التطرف بل والالتحاق بالجماعات الارهابية. يضاف إلى كل ذلك (3) ملايين من غير الاردنيين يثقلون كاهل الاقتصاد و الخدمات والموارد، بما فيها الماء والزراعة والطاقة والتعليم و الصحة. ومن هؤلاء 1.25 مليون يد عاملة تنافس الاردنيين والأردنيات على كثير من فرص العمل، بعد أن تعدى عدد العاطلين عن العمل اكثر من 250 الف اردني واردنية.
يدعو تقرير البنك الدولي الحكومة الأردنية إلى التصدي لهذه النقاط الضعيفة، والتوجه إلى تقليص النفقات الحكومية، وتحفيز الاقتصاد، وتشجيع الصادرات. وهذه عموميات لا غبار عليها وتصلح لأي بلد، وأي مكان وأي زمان. ولكن التحدي الحقيقي والعاجل أمام الحكومة بالدرجة الأولى و القطاعات الاقتصادية على أنواعها هو في كيفية الانتقال من العموميات إلى الواقع العملي، وكيف ومتى يتم وضع خطة عمل واضحة ومحددة، وتنفيذ برنامج موضوعي وزمني محكم لمشاريع انتاجية حقيقية تخلق فرص عمل جديدة عالية القيمة المضافة، وتنمي الإقتصاد بنسب تتجاوز 6% سنويا،حتى يبدأ دخل المواطن بالزيادة بدلا من النقصان.
ومن هنا فالمطلوب من الحكومة وبالتعاون مع القطاع الخاص والاكاديميا والخبراء و المفكرين المبدعين وضع برنامج سريع ربما في الاطار التالي أولاً: أن يشعر جهاز الدولة العامل في مجال السياحة والاستثمار والصناعة و الزراعة والتصدير والجمارك ومن خلال التعليمات المباشرة انه في حالة طوارئ تقتضي تقديم المساعدة لكل المستثمرين والمنتجين للسلع و الخدمات والمصدرين أصحاب المشاريع القائمة أو الموسعة أوالجديدة. ثانياً: ان تصدر كل مؤسسة “اجراءات الطوارئ الإيجابية” التي ينبغي الالتزام بها من قبل الموظفين و كبار المسؤولين لتيسير أعمال المشاريع و لتحفيز القطاع بأكمله بعيدا عن اللامبالاة و التردد و المصلحية و البيروقراطية التقليدية. ثالثاً: أن تضع الحكومة هدفا سنويا لحجوم الاستثمارات التي تهدف إلى تحقيقها في كل قطاع وفي كل محافظة،و تقدم تسهيلات عينية ومالية وإدارية استثنائية لهذه الغاية،و تشجع صغار المستثمرين على المشاركة. رابعا: تطلب الحكومة من الصناعات الكبرى (الفوسفات، البوتاس، الدوائيات،الكيماويات، الحديد، الطاقة، الزراعة، السياحة…الخ) أن تباشر بانشاء صناعات متوسطة وصغيرة مرتبطة بها، سواء كمدخلات إنتاج أو مكملات للانتاج (صناعات قبلية و وسيطة وبعدية) خامسا: أن يتم التفاوض السريع مع دول الخليج و غيرها من الدول المانحة لاستخدام المنح و المساعدات في انشاء مشاريع انتاجية جديدة في المحافظات، بدلا من التركيز على مشاريع البنية التحتية،والتحديثات الإدارية و ما في حكمها. سادسا:ان يتم وضع ضوابط على الاستيراد لصالح التصنيع المحلي (الصناعات الاحلالية) .اذ لا يمكن ان تكون هناك فرصة حقيقية للانتاج المحلي اذا كانت اسواق التصدير العربية المجاورة شبه مغلقة، وامكانات التصدير لأوروبا لا تزال أمامها العقبات الصعبة المباشرة و غير المباشرة، وفي عين الوقت أبواب الاستيراد مفتوحة على مصراعيها لجميع السلع والخدمات بدون استثناء، ومن جميع أنحاء العالم. سابعاً: ان تتحرك المؤسسة الرسمية و البيوت المالية لمساعدة الشركات المتعثرة،ومساعدة المصانع المغلقة، وتلك على وشك الإغلاق لتعود للعمل والانتاج، والتوسع، أو تجديد خطوط الإنتاج. ثامنا:ان تدعم الدولة القطاعين الزراعي و السياحي بشكل خاص. فالأردنيون بسبب ارتفاع الاسعارالسياحية، وضآلة المرافق الجيدة المجهزة، وغياب البرامج المدعومة، يذهبون الى شرم الشيخ وقبرص للسياحة. فليس من المعقول ان تكون كلفة السياحة في شرم الشيخ مع تذكرة الطائرة أرخص من كلفة السياحة في البحر الميت أو العقبة. تاسعا: ان تستعين المؤسسات الرسمية والأهلية وبشكل جاد بالخبراء و العلماء و المتخصصين المحليين لتطوير الأفكار الجديدة و تحسين الأداء ورفع الإنتاجية. عاشرا:أن يتم تشكيل فرق عمل مشتركة لحل المشكلات المزمنة التي تطالب بها غرف الصناعة و الهيئات النوعية المتخصصة، والعالقة منذ سنوات في قطاعات الصناعة و الزراعة و السياحة و التي تهدد استمرار هذه القطاعات .
واخيراً فإن التراجع و بطء النمو الاقتصادي، وعدم تنامي دخل الفرد سنة بعد سنة،و عزوف الاستثمارات الإنتاجية الجديدة، وعدم الاكتراث بصغار المستثمرين، وانتظار المنح و المساعدات، والتوسع في الاقتراض، وإغراق البلاد بالسلع والخدمات المستوردة،هذه مسألة تراكمية غاية في الخطورة.
دعونا نعترف اننا نتكلم كثيراً، ونصرح كثيراً، وندرس كثيراً، ونكتب التقارير بغزارة، ولكن الفعل بطيء ومحدود و متردد، و كأن البلاد قاحلة من العقول، ومجدبة من الأفكار، و فقيرة بالكفاءات،و حديثة العهد بالمشاريع،و عاجزة عن الإبداع،و عقيمة في ابتكار الحلول،مع أنها في حقيقة الأمر ليس كذلك، بل غنية بكل اؤلئك. إن عجلة الزمن سريعة لا تنتظر احدا، والشباب سرعان ما يداهمه الإحباط، والمستقبل يحمل الكثير من المفاجآت لمن لا يستعد له، و الأردن مؤهل تماما لأن يحسن الاستعداد.