الرد الأردني الرسمي على تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد، جاءت على لسان وزير الإعلام د. محمد المومني. كان ردا واقعيا واضحا وحاسما، بعيدا عن الردح السياسي، وحمل بين ثناياه ثقة بالبلد وأحواله ومستقبله.
المومني عبّر عن رفضه هجوم الأسد على الأردن خلال حوار مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، والتي عاد فيها الأسد إلى “هوايته” في التحليل المنفصل عن الواقع، واستعاد أسطوانات طالما رددها هو ومسؤولوه في توجيه اتهامات للأردن، وهي التصريحات التي تؤكد أن النظام لا يدري بالضبط ماذا يدور في بلده، وأنه مغيّب تماما عن تفاصيل الحدث اليومي الذي تديره أطراف غير معنية بإطلاعه على مجريات الأمور.
ورغم ذلك كله، لا يجد سيادة الرئيس الأفخم مانعا من مزاولة هوايته المفضلة في استقصاء المزاودات السياسية التي لا ترتكز إلى أي حقيقة، وهي السياسة التي انتهجها منذ تفجرت الأزمة في بلده، وصب هو ونظامه فوقها الزيت والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية.
ما لا يلاحظه النظام السوري، هو أن الموقف الأردني من أزمة بلده ثابت وواضح منذ اندلاع ربيع سورية، وهو الموقف الذي يتأسس على حفظ وحدة التراب السوري، ودعم الحل السياسي، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وهذه النقاط الثلاث ساهم فيها الأردن أكثر بكثير مما ساهم فيها الأسد وأعوانه، بل إنهم سعوا وساهموا بفاعلية بتخريب كثير من الحلول المقترحة التي كان يمكن أن توقف شلال الدم في بلدهم.
يقول “الرئيس” إن الأردن بلد غير مستقل وتابع لأميركا، وكأنه يجهل أن عشرات الطائرات تقلع يوميا في أجواء بلده من دون مشورة. أو كأنه ينكر، أيضا، أن علاقته مع روسيا، وقبلها إيران وغيرهما ممن يتبع لهم، لم تعد ينطبق عليها مصطلح “تحالف”، بل هي شكل مذل من التبعية، فرئيس تكون غالبية أراضي بلده خارج سيطرته وقراره، لا يحق له الحديث عن التبعية، وهو الذي يراقب من على شاشات التلفزة داخل قصره، أخبار بلده التي باتت ملعبا لعشرات الدول والتنظيمات والمليشيات. فعن أي استقلال أو امتلاك قرار يتحدث الرئيس الأفخم!
أما الشعب السوري، فيبدو أنه ليس معيارا لدى الرئيس صاحب الاستقلال والسيادة المطلقة، إذ لا ينتقص من استقلال بلده أن الملايين أصبحوا لاجئين في قارات العالم جميعها، وأن هناك الآلاف من شعبه أصبحوا طعاما لأسماك البحر الأبيض المتوسط وهم يفرون من الجحيم الذي خلقه هو ومليشياته.
ما أغفله الرئيس المقاوم أن الأردن لم يقل يوما إنه متفرج، فقط، وذلك ليس من النباهة في شيء لأن ما يقوم به الأردن بكل مؤسساته لا يهدف إلا إلى أمر واحد، هو الحفاظ على أمن واستقرار المملكة وأهلها حتى لا يلحق بهم مصير الأشقاء السوريين من تشريد وقتل وتعذيب. الاستراتيجية الأردنية تأسست على تحصين المملكة من إرهابيين وجدوا لدى سيادة الرئيس المستقل مكانا لإنشاء دولة خلافتهم، كما أنها لم تتأسس أبدا على خيالات “دونكيشوتية” ورومانسية “يبيعها” للعوام تحت ذرائع المقاومة والممانعة الكاذبة، والتي لم تكن أكثر من “أفيون” ارتهن له كثيرون، وما يزال آخرون تحت تأثيره.
على الأردن أن يكون واعيا لحقيقة سيطرة الإرهابيين على جزء كبير من بلاد سيادة الرئيس، وللدور الذي تقوم به المليشيات القادمة من شرق بلاده وغربها لتحمي سلطانه ووجوده، فمن قال إن الأردن سيبقي أبوابه وحدوده مفتوحة بدون تحصين من تبعات الكوارث التي تقع في بلاد الرئيس المستقل الملهم من إرهاب وتهريب ومخدرات واتجار بالبشر وغيره.
الرئيس يتحدث عن جنوب بلاده التي يتوزع فيها النفوذ بين الدواعش والمليشيات والجيش النظامي وجيش العشائر، ويتناسى أن المنطقة هي نفسها شمال المملكة، وطالما المعركة محتدمة هناك، فمن حق الأردن أن يحمي أرضه وشعبه، وأن يتعاون مع الأطراف التي يرى أنها مفيدة لاستراتيجيته في هذا السياق. التهديدات القادمة من بلاد سيادة الرئيس لا نهاية لها، وكان عليه، بدلا من كيل الاتهامات وتقديم التحليلات الخرقاء، أن يقدر موقف الأردن الذي استقبل شعبه الذي شرده هو، أو أقله أن يصمت.
لكن السؤال المهم، هو؛ إلى أي بلهاء يوجه الأسد خطابه اليوم! أليس من الحريّ به أن يتمتع ببعض المصداقية والواقعية وينظر، ولو قليلا، إلى الحال الذي جرّ بلده إليها، ويفكر مليّا كيف يمكن له أن يرتق جراحها النازفة، أو أن يتنحى جانبا ليترك لغيره هذه المهمة التي لا يصنعها سوى القادة الحقيقيين.