عروبة الإخباري- قدم الصحفي والكاتب في “الحياة” اللندنية حازم الأمين، مقاربة حول صلة علم التحليل النفسي بظاهرة منتسبي “داعش”، من خلال قراءة استكشافية ميدانية للعشرات منهم، أظهرت وجود دوافع غير منسجمة فيما بينهم للالتحاق بالتنظيم و”الانتحار والقتل” كظاهرة جماعية، فيما اعتبر ان “داعش” “ابن انقسام مذهبي وفشل سياسات المجتمع الدولي والأنظمة العربية”.
ومن خبرته الميدانية، فند الأمين، خلال استضافته للحديث عن تجربته الأربعاء الماضي في مركز جامعة كولومبيا في عمان، الاعتقاد السائد بارتباط الانتساب إلى “داعش” بأسباب أيدولوجية صرفة، قائلا إن “داعش” أصبحت “مصفاة هائلة ينتهي فيها ما لا يحصى من تعدد دوافع القتل، وفرصة لشيطنة كل أشكال العيش”.
الأمين وهو صحفي استقصائي، رأى أن “العالم الآن، لم يستعن بعلم التحليل النفسي بعمق، لتفسير الظواهر السياسية كداعش”، معتبرا أن التنظيم هو “نتاج فشل للسياسات في المنطقة والمجتمع الدولي والأنظمة العربية”.
ولم يبد الأمين تفاؤله بزوال “داعش” من المنطقة، قائلا إن التنظيم “أخذ يسيطر مؤخرا في مخيمات النازحين، وليس في المدن الكبرى التي تواجه عمليات عسكرية تحت عنوان محاربة الإرهاب”.
ميدانيا، قال الأمين إن الصحافة التي تتناول قضايا “داعش” لا يزال تناولها “سياسيا”، وأن “داعش” لديه “أمهات كثر” إذ نجح في الاستثمار في منطقة لم يسبق لأي تنظيم “عصبوي مافيوي” العمل فيها. وأضاف أن “التنظيم قال لكل فصامي في العالم تعال لنحوّل فصامك إلى قيمة عليا، معطيا فرصة لأي مجرم أن يحوّل جريمته إلى فعل تتجاوز أهدافه الدافع الحقيقي للجريمة”، على حد تعبيره.
وتمسك برؤيته حول “داعش” بوصفه يحمل “أفق دولة، منذ تأسس على أيدي مجموعة من الضباط العراقيين السابقين، وهو أكبر من تنظيم، وابن انقسام مذهبي وفشل في السياسات في العالم، بخلاف تنظيم القاعدة”.
وبشأن صلة “داعش” بالسلفية، وما أشار له مشاركون في الندوة حول صلة “داعش” وإفرازاتها “بالسلفية الوهابية والجهادية”، قال الأمين، إن “الاستكشاف الميداني أظهر ضعف صلة “داعش” بهما، بخلاف صلة السلفية بالقاعدة التي أظهرت ارتباطا واضحا”.
وأضاف: “داعش ليست من الإخوان المسلمين بل شكلت من عناصر من البعث والعشائر وإيران، وذلك مرده إلى أن المسار الذي اختطته “داعش” وأدى إلى هذه الولادة، يختلف كليا عن مسار الإخوان والسلفية والقاعدة، فداعش لديها وعي دولة وهو تنظيم أفقي، ومؤسسوها من الضباط السابقين ممن لديهم خبرة في الإدارة الأمنية ووعي موروث لإدارة الحكم”.
واستحضر عدة نماذج لمنتسبي “داعش”، من بينهم عمر متين، الذي هاجم ملهى للمثليين جنسيا في أورلاندو وهو أميركي من أصل أفغاني، وكان من المترددين على الملهى، مشيرا إلى أن “سيرته تحمل مؤشرات على “مثليته المقموعة”، حال بينها وبين تحققها عنف أب وصرامة قيم لم تقبل مثليته، وكانت جريمته انتقاما من نفسه ومن مثليته غير المتحققة” على حد تفسيره.
وتطرق الأمين إلى التونسي محمد لويحج، منفذ هجوم نيس جنوب فرنسا، قائلا إنه “تردد على أكثر من عيادة لعلاج الاضطرابات النفسية في تونس وفرنسا، ولم يكن يعرف عن الإسلام شيئا، وكذلك خالد مسعود منفذ الهجوم الأخير في لندن، الذي لديه سوابق سجنية بتهم عادية نتجت عن توترات عنصرية وأخرى عائلية”.
وقال: “في ضوء ذلك، فإن داعش أوجدت لكل تلك النماذج وغيرها، تصريفا للجريمة والعنف، وحوّلت القاتل العادي إلى قاتل بدافع القضية”.
وأضاف: “من هنا، فإن التحليل النفسي يصلح في هذا السياق لأن يكون أداة لتفسير الظاهرة”، مبينا أن “جماعية الظاهرة هي حصيلة ضائقات أفراد لا يجمع بينهم سوى توفر الدافع للعنف والقتل”.
وأضاف: “إن مضطرب العلاقة مع والده حين يلتقي مع مضطرب العلاقة مع مشغله أو مديره، فإن الالتقاء يصبح فرصة لشيطنة كل أشكال العيش، ويرتسم العالم بصفته جاهلية وجب تدميرها”.
ولفت إلى أن ذلك “يدلل على الصفات العصابية المتفشية في المجتمعات الحديثة، أي الجريمة بصفتها دافعا فرديا، حيث حولت “داعش” ذلك إلى جهاد، وكانت قناته وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعمل التنظيم سوى على تزويد المنفذين الطريقة”.
واعتبر أن تلك النماذج “تمنح مؤشرات غير مألوفة حول العلاقة التي تربط الملتحقين بداعش من الغرب وبين أنواع الأنشطة التي نتجت عنها طرق راديكالية ذهنية وفعلية لا بد من رصدها”.
وذهب للقول “إن هناك رياضيين كثرا انضموا إلى داعش، بينهم أحد أبطال العالم في ألعاب القوى، وشقيقان رياضيان نفذا عملية في مدينة فرنسية، ومصري ولبناني نفذا عملية انتحارية كانا عضوين في أندية الدرجة الأولى في بلديهما”.
وقال إن هذه النماذج “تنسحب على مغني البوب والراب ممن التحقوا بداعش في سورية والعراق، وهم كثر”.
وعرض لبعض محطات من زيارته لأحد سجون العراق التي تضم 1200 محكوم في قضايا متعلقة بالإرهاب، مقدما مقاربة حولها وصفها بـ”المجازفة”، وأظهرت أن “الضائقة الفردية لهؤلاء المحكومين، عكست حضورا أقل في دوافع التحاقهم بداعش، بينما شكل وجود أب سلبي في العائلة، قاسما مشتركا أمام “أم” إيجابية لدوافع ذلك الالتحاق”، مستدركا في الوقت ذاته بالقول إنه “لا يملك أدوات البحث العلمي للوصول لتفسير كامل لذلك”.
وأضاف “هناك سيرة لكل محكوم اجتمعت فيها قصة أم إيجابية مقابل أب سلبي في العائلة، وليس حكمي علميا محضا بل انطباعي ويحتاج لبلورة صيغة متكاملة، فالانتقام ظهر في دوافع هؤلاء المحكومين لصالح الأم من الأب السلبي في التحاقهم بداعش والقتل”.
وبشأن مقاربة الانتحار وارتباطها بالبعد الأيدولوجي، وظاهرة قتل “المثليين” في العراق على أيدي عناصر من التنظيم من خلال الرمي من إحدى المباني، قال: “إن اختيار المبنى والرمي يرتبط بضائقة تحيط بمنفذي القتل، فهم إلى جانب عنفهم ثمة مثلية مقموعة يخافون منها في كل واحد منهم، بمعنى حسم الهوية الجنسية بمفهوم التحليل النفسي، والدفع من فوق سطح المبنى قد يكون رغبة في انتزاع ما يعتقدونه عارا في أنفسهم، وهو صورة عن إخراجه من داخله”.
وأضاف: “طبعا في هذا القول بالنسبة لي مجازفات كبيرة سببها أنني لا أملك جميع عناصر القصة”.
واعتبر أن “إحراق الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة على يد داعش، يعّبر عن دافع مواز”، حيث قال: “فور وقوعه في الأسر طرحت قضية مبادلته بساجدة الريشاوي الانتحارية المتعثرة، التي فشلت في تفجيرات عمان، وقيل إن الحزام لم ينفجر، لكنني أرجح أنها خافت وترددت”.
وفسّر الأمين أي محاولة انتحار فاشلة لأي انتحاري، إلى “عدم الرغبة في الموت، وليس لأسباب تقنية”.
وأضاف: “الريشاوي شقيقة أحد أمراء داعش اليوم، وأرجح أن شقيقها اختار لها مصير الموت كونها أرسلت بمهمة لم تنفذها أولا، وثانيا، لأن المرأة في السجن في وعي عشائر غرب العراق قد تلحق ما يمكن أن نتخيله بعائلتها، وفي اعتقادي أن هذا الأمر ليس بعيدا عن قرار إحراق الكساسبة، بالمعنى الرمزي، حتى لو كانت الوقائع تؤكد غير ذلك”.
وتوقع الأمين بقاء “داعش” في الوقت الذي تستفيد من وجودها إيران، وأن التنظيم أصبح “أمرا واقعا، وأن قدراته ليست هائلة، لأنه سقط بسرعة في المدن”.
وقال: “في الموصل العراقية كان هناك قرار بتدمير الشاطىء الأيمن من الموصل، وتم إغلاق المدينة عليه…”، فيما رجح أن يكون مصير الرقة السورية كالموصل في وقت قريب.
وبين الأمين الذي زار عددا من سجناء داعش في الموصل، إنه عاد متشائما، وقال: “في رأيي أن عملية إعادة شروط إنتاج داعش تجري أي ولادة جديدة بشروط مختلفة، فالحرب على داعش لن تؤدي إلى القضاء عليها… هناك 7 مدن مدمرة كليا أو جزئيا في سورية والعراق، وأغلب هذه المدن انتقل سكانها منها للعيش بمخيمات تشهد ظروف عيش من أسوأ ما شاهدت”.
وأشار إلى أن “داعش بدأ يؤسس لنفوذ له داخل مخيمات النازحين، وأن المخيمات في محيط الموصل أظهرت أن هناك خلايا نائمة فيها، وصولا إلى الركبان على الحدود الأردنية السورية”.
وبين أهمية ما لعبه الإعلام في تسويق وترويج “داعش”، قائلا إنه “لوحده استطاع الوصول إلى 7 مراكز إعلام تابعة للتنظيم في محيط الموصل”.(الغد)