سيكون العام الحالي 2017 حافلاً بالفعل بالأحداث والتطورات الإقليمية الكبرى، التي تعيد ترسيم المنطقة من حولنا – في الأردن-، وتشكيل هويتها الثقافية والسياسية بصورة هائلة!
على ماذا تستند هذه “الفرضية”؟
على مؤشرات ومتغيرات عديدة، في مقدمتها، تداعي دولة “داعش” في العراق، واقتراب نهاية معركة الموصل (من المتوقع صيف هذا العام)، والتحضير الجدّي لمعركة الرقّة، من قبل الأميركيين ومعهم الأكراد كطرف رئيس، وأطراف دولية وعربية أخرى، ما يعزز التنافس على “تركة الرايات السود”، من قبل الأطراف الإقليمية والمحلية المختلفة.
وإذا كانت الأمور في العراق أكثر وضوحاً في استلام الحكومة تركة أغلب المناطق التي سينحسر عنها “ظل التنظيم”، فإنّ المشهد السوري أكثر تعقيداً، وحجم الصراع الخارجي والداخلي فيه أكبر، على أكثر من صعيد، بين الأكراد والأتراك وإيران، وبين المعارضة والنظام، والأميركان والروس.
خلال الأيام الماضية بدأت رؤية ترامب تتوضّح أكثر بخصوص الملف السوري، وإذا كان هنالك خلاف جوهري بينه وبين الرئيس السابق أوباما، فيتمثّل بأن الإدارة الجديدة لا تنوي التسليم بالنفوذ الروسي- الإيراني في سورية، بل تسعى إلى خلق نفوذ موازٍ يحمي المصالح الأميركية من جهة، ويقطع الطريق على مشروع إيران ببناء “الهلال الإيراني”، عبر دعم الأكراد والقوى الحليفة لواشنطن في سورية، وتوسيع مناطق النفوذ والعمليات العسكرية.
التطبيق العملي بدأ فعليأً لتنفيذ خطة ترامب المزدوجة – أولاً هزيمة داعش عسكرياً، وثانيأ تحجيم إيران في سورية- عبر تعزيز القوات الأميركية في سورية، والتسريبات التي تتحدث عن إعادة تأهيل مطار الطبقة العسكري، بعد إنهاء داعش فيه تماماً، لتستخدمه الطائرات الأميركية في معركة الرقة، وربما لاحقاً دير الزور، لكن الهدف الرئيس، بأن يكون قاعدة دائمة للأميركيين يضاف إلى المطارات المستخدمة حالياً في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ومن المتوقع أن يصبح العدد 4 مطارات عسكرية أميركية في سورية ضمن قواعد عسكرية، وتحالف وثيق مع الأكراد.
وفي الحديث عن الأكراد، فهم اليوم قوة صاعدة بقوة، في كل من العراق وسورية، وإذا كان هنالك حديث عن النفوذ الإيراني المتنامي، في المنطقة، فإنّ “المارد الكردي” بدأ يفك قيوده ويستعد للحظة تاريخية جديدة، ليس فقط في العراق، بل حتى في سورية، مع الاعتماد المتزايد من قبل الأميركيين عليهم، ودعمهم، والانحياز أكثر لهم من تركيا!
القوة الكردية الصاعدة، حتى وإن لم تتأطر على شكل دولة واحدة ممتدة، أو حتى إعلان لدول، فإنّ ما سيحصده الأكراد في سورية لن يقل – بالضرورة- عما حققه أقرانهم في العراق، من حكم لا مركزي، وربما فدرالي، ذاتي، وشبه كيانات سياسية مستقلة، تتولّد في رحم الجغرافيا السياسية العربية، وتعيد إحياء الهوية والثقافة الكردية!
ضمن هذه الاعتبارات يقف الأردن أمام مشهد محيط جديد بالكلية تماماً، يستدعي إعادة تفكير جدية وحقيقية بما يمسّ أمننا الوطني ومصالحنا الاستراتيجية مع العراق وسورية، بدرجة رئيسة، وبالتوازي مع ذلك، التطورات المتوقعة الوشيكة في المناطق المحاذية للحدود الأردنية- العراقية- السورية، ما قد ينعكس علينا، وهي القضايا التي سنتناولها في مقالة الغد.