لا شك أن انعقاد مؤتمر القمة الثامن والعشرين في هذه الظروف العربية المعقدة والخطيرة ،هو انجاز بحد ذاته، يسجل للأردن وللملك عبد الله الثاني . وقد نجح الأردن بالإعداد بشكل جيد للمؤتمر، وتقريب وجهات النظر ،والوصول إلى تفاهمات مشتركة، والخروج ببيان عمان الذي تم اعلانه بعد المؤتمر، والذي أكد على عدد من النقاط يتمثل أبرزها في أولوية القضية الفلسطينية واستمرار الموقف العربي الداعم لحل الدولتين على حدود 1967، وإنشاء دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني عاصمتها القدس كشرط للسلام ، ومحاربة التطرف و الإرهاب، إضافة إلى الحل السياسي للصراع في سوريا، وتأييد الشرعية في كل من اليمن وليبيا، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة العربية، والتأكيد على ضرورة التطوير النوعي للتعليم ،و تكريس قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والهويات الجامعة.
غير ان السؤال الذي يطرحه المواطن العربي هو : ما الذي سيتحقق على أرض الواقع بعد هذا البيان؟ و من سيقوم بالتنفيذ و المتابعة ؟ و إلى أي مدى ستلتزم الدول العربية بمفردات البيان؟ و هل نشأت قناعات حقيقية و ترسخت لدى المشاركين بضرورة التغيير؟ ما الفرق بين مؤتمرات القمة العربية ونظيراتها الأوروبية ؟ لماذا تبدو القمة العربية شيئا عظيما أثناء الإعداد والتحضير وحتى لحظة الانتهاء ؟تم تتراجع التوقعات وتخفت الأضواء وتتوارى القرارات. بينما القمة الأوروبية تتم بهدوء شديد في جميع مراحلها ويشعر المواطن الأوروبي بالإنجاز الفعلي ؟
الفرق بين المؤتمرات العربية والمؤتمرات الأوروبية هو، أن الدولة الأوروبية تتوجه إلى المؤتمر الذي يعقده الاتحاد الأوروبي مثلا، ليس للمجاملة وليس لاستكمال العدد الرسمي، وانما للعمل . وهي على استعداد للتوافق مع الآخرين، والوصول إلى الحل المطلوب في منتصف الطريق، و»ليس اما غالبا وإما مغلوباً» على الطريقة العربية . الدولة الأوروبية تدرك أن الجزء الأكبر من قرارات القمة تتطلب سلسلة من الاجراءات، عليها أن تقوم بها داخل حدودها ومن مسؤوليتها ، سواء كان الأمر يتعلق بإصلاح التعليم، أو مواجهة الفساد، أو تحسين الحاكمية، أو زيادة الشفافية أو العجز في الموازنة أو حقوق المرأة. أما الدولة العربية فالأمر لديها مختلف لأنها لا تريد أن تقوم بما عليها من التزام إزاء مواطنيها، و إزاء حلفائها و شركائها، وتعتبر ذلك شأنا خاصاً بها. حتى المسائل السياسية ،ففي حين تتشبت الدولة العربية بموقفها ،فإن الدولة الأوروبية لديها المرونة والثقة لكي تطرح التغييرات المطلوبة على البرلمان، ومن ثم تغير من سياستها في معالجة موضوع معين إذا اقتضى الأمر بناء على قرار من القمة.
الدولة الأوروبية تشعر أنها محاسبة من قبل الناخبين والأحزاب السياسية على أدائها وانجازاتها في حين يغيب هذا لدى الدولة العربية. والدولة الأوروبية تثق وتدرك أن التعاون الوثيق مع أعضاء آخرين هو لصالح الجميع ،وقوة للكل، ويتطلب المرونة والتغيير في أسلوب العمل . أما الدولة العربية، فهي تريد أن تبقي كل شيء لديها كما هو، ولا تؤمن أن الانسجام مع قرارات القمة فيه مصلحة حقيقية لشعوبها. إن الذين يعدون ويحضرون للمؤتمرات العربية غالبا ما يكونون مع كامل الإحترام من الدبلوماسيون بالدرجة الأولى والعلماء والخبراء بالدرجة الخامسة، أما القمة الأوروبية فالإعداد يتولاه العلماء والخبراء بالدرجة الأولى، جنباً إلى جنب مع الدبلوماسيين والسياسيين . حينما يصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي جملة من التوصيات تخص الزراعة والمياه والأمن الغذائي والتغيرات المناخية والتعليم وحقوق الإنسان، فالمتوقع أن تأخذ كل دولة عربية هذه الموضوع بمنتهى الجدية ،لأن عليها فقط وليس على غيرها مسؤولية التنفيذ وعليها أن تضع لنفسها برنامجاً وطنياً من خلال الخبراء والعلماء يتجاوب مع التوصيات.
لقد آن الأوان للقيادات العربية أن تدرك كل منها أن الجزء الأكبر من العمل الخاص بمؤتمرات القمة هو من مسؤولية الدولة الوطنية ،ومن صميم عملها الداخلي، حتى تصبح لبنة قوية في التجمع العربي، وعضواً فاعلاً ومؤثراً في القمة وبعد القمة . فالدول الضعيفة والدول الغارقة في التناقضات، والدول التي لا تستطيع أن توقف الصراعات والكوارث والتراجعات على ترابها ،لا تستطيع أن تُكوّن لها دورا حقيقيا في أي مؤتمر، ولا في الوصول إلى مستقبل أفضل. ولهذا تلجأ الكثير من الدول العربية إلى رفض اصلاح آلية العمل في الجامعة العربية، حتى لا تصبح قراراتها ملزمة . وبدلاً من ذلك تلجأ إلى رفع سقف التوقعات الكلامية لتنتهي بانتهاء المؤتمر .هل يكون مؤتمر القمة الثامن والعشرون، و بيان عمان، وفداحة التردي للمنطقة العربية، هل يكون كل ذلك بداية لمرحلة جديدة من الإصلاح العميق الشامل، والمشاركة الفعالة، والبناء الوطني والعربي؟ ذلك هو الأمل لدى كل مواطن.