الجانب الغامض من سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال سورية بدأ يتكشف. كان ظاهرا منذ وقت مبكر تركيز الإدارة الجديدة على أولوية محاربة الجماعات الإرهابية في العراق وسورية، وقد طلب ترامب من البنتاغون وضع خطة عسكرية لتسريع الحرب والقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي.
الترجمة الميدانية لهذه الخطة تمثلت بزيادة عديد القوات الأميركية في البلدين المذكورين؛ ففي العراق تسارعت الخطوات العسكرية لتحرير مدينة الموصل من قبضة التنظيم الإرهابي، وفي سورية عززت واشنطن حضورها العسكري في شمال سورية، وأبرمت تحالفا مع قوات سورية الديمقراطية لتمكينها من تحرير مدينة الرقة.
حصلت كل هذه التطورات بتوافق نسبي مع موسكو، وتحفّظ واضح من طرف تركيا التي أعلنت انتهاء عمليات “درع الفرات” في سورية، لتفسح بذلك المجال لواشنطن لتولي دفة الأمور ميدانيا.
لكن حتى ذلك الحين لم تفصح واشنطن عن موقفها من نظام الأسد، ومستقبل سورية لمرحلة ما بعد “داعش”. منذ يومين فقط قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، ما كانت موسكو تنتظر سماعه بشغف. من العاصمة التركية أنقرة، التي حملت لواء إسقاط النظام السوري، وقف تيلرسون إلى جانب نظيره التركي ليعلن أمام الصحفيين بأن “وضع الرئيس الأسد على المدى البعيد سيقرره الشعب السوري”.
في تصريحات تيلرسون ثلاث نقاط مهمة؛ فهو وعلى خلاف تصريحات مسؤولين أميركيين سابقين، وصف الأسد بالرئيس، ووضعه سيحسم على “المدى البعيد” وليس كما كان يقال عن ضرورة رحيله العاجل، ثم إن الوزير الأميركي لم يأت على ذكر المعارضة السورية باستثناء مليشيات “سورية الديمقراطية” الحليف الوثيق لواشنطن في سورية.
وبينما كان تيلرسون يطلق هذه التصريحات في أنقرة، كانت سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي تشرح بتفصيل أكثر مقاربة إدارتها تجاه سورية. هيلي قالت بوضوح إن أولويتنا لم تعد التركيز على إخراج الأسد إنما القضاء على الجماعات الإرهابية في سورية، والتخلص من نفوذ إيران.
لم تكن إدارة الرئيس باراك أوباما في سنتيها الأخيرتين منهمكة بإسقاط الأسد كما كانت من قبل، لكنها لم تبلغ هذا الحد في موقفها.
هل يعني موقف واشنطن هذا انفتاحا وشيكا على نظام الأسد؟ أم هو مقدمة لصفقة أميركية روسية أوسع وأكبر للحل في سورية وسواه من الملفات العالقة بين القطبين الدوليين؟
كل ذلك وارد في الحسبان.
حسب أقوال السفيرة هيلي، فإن واشنطن ستركز في المرحلة المقبلة على الدفع من أجل التوصل إلى حل سياسي في سورية. لكن مع إقرارها بأن الأسد يشكل عائقا للحل، إلا أن إدارتها كما تقول لن “تجلس” لتناقش سبل الإطاحة به.
الإشكالية التي لم تقدم إدارة ترامب حلا لها بعد هي كيفية التخلص من نفوذ إيران في سورية دون الاصطدام مع نظام الأسد. هل تخطط واشنطن، على سبيل المثال، لتحالف مع موسكو يضمن فك ارتباط النظام السوري مع إيران واحتواء نفوذها في سورية؟
قد لا تمانع موسكو على المدى البعيد ذلك، لكن تحولا بهذا العمق يحتاج لصفقة كبرى تحقق لموسكو مكاسب على كل الجبهات.
مفاوضات جنيف ستبقى تراوح مكانها إلى أن تتبلور معالم تلك الصفقة.