الاستفتاء في تركيا في 16 من الشهر المقبل ليس سببه «الحاجة إلى دولة قوية» كما يقول رجب طيب أردوغان وأنصاره، وإنما هو تسليم الرئيس التركي سلطات ديكتاتورية مع وجود نواب له، لكن مع إلغاء منصب رئيس الوزراء.
أردوغان وعد أيضاً بأنه إذا جاءت نتيجة الاستفتاء مؤيدة لأفكاره فهو سيجري استفتاء آخر على إعادة عقوبة الإعدام، واستفتاء على سحب طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
رجب طيب أردوغان يحكم كديكتاتور اليوم، والموافقة على الاستفتاء ستعني زيادة سلطاته الديكتاتورية فهو سيكون قادراً على تعيين كبار القضاة، بل إنه سيبقى رئيس حزبه وهو رئيس الجمهورية ما يعني زيادة سيطرته على عمل البرلمان.
أغرب ما في الوضع التركي الحالي أن السلطان أردوغان يبني نظاماً ديكتاتورياً في تركيا، ثم يهاجم الدول الغربية ويتهمها بما فيه. ألمانيا وهولندا رفضتا دخول وزراء من أتباع أردوغان لحضّ الأتراك في أوروبا الغربية على التصويت بنعم في الاستفتاء. أردوغان رد بتوجيه تهم النازية الجديدة لدول هي نموذج يُحتذى في الديموقراطية، كما هو رمز للديكتاتورية المقنَّعة.
قلت في السابق وأقول اليوم أن أردوغان كان يعرف أن خصومه يعدّون لانقلاب ضده، فهو وجد في المحاولة الفاشلة في 15 تموز (يوليو) فرصة لتحقيق ما يريد. حوالى 40 ألف تركي طُرِدوا من أعمالهم أو حوكموا. أكثر من ثلاثة آلاف عضو في القضاء طُرِدوا من العمل، ومثلهم ألوف من موظفي الدولة. هناك 150 صحافياً في السجون، وأكثرهم حوكم أو سيُحاكم، وقد أغلقت السلطات 170 منظمة إعلامية. وهذا من دون أن أتحدث عن حربه على الأكراد وكم قتل فيها.
أكتب ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في زيارة يوم واحد إلى تركيا، وقبل أن تتوافر معلومات عن محادثاته مع المسؤولين الأتراك. ما أعرف هو أن تيلرسون سيبحث مع الأتراك في الحرب على «داعش» لتدميره، وأنه شرح يوم الأربعاء خطة الإدارة الأميركية لتحقيق ذلك. الواقع أنه شرح خطوات إدارة ترامب المعروفة، فالزعم أن تدفق المقاتلين الأجانب على العراق وسورية تراجع ومثله دعايات الدولة الإسلامية المزعومة على الإنترنت، هو إنجاز حققته إدارة أوباما، وكان دونالد ترامب زعم أثناء حملته الانتخابية أن أوباما خلق الدولة الإسلامية في العراق وسورية.
يبدو أن أردوغان لم يتعلم الدرس من رفض استقبال وزرائه في دول غربية، فقد قرأت أنه طلب من الحكومة الألمانية أن تسمح لحكومته بالتجسس على أتراك يقيمون في ألمانيا وهو قدّم أسماء 300 شخص ونحو 200 جمعية خيرية أو مدرسة أو غيرها، وزعم أن هؤلاء جميعاً يعملون للداعية التركي فتح الله غولن الذي يقيم في الولايات المتحدة، والذي اتهمه أردوغان من دون دليل مقنع على أنه كان وراء محاولة الانقلاب الفاشل.
السلطات الألمانية رفضت طلب أردوغان التجسس على بعض الأتراك في ألمانيا، وهناك ثلاثة ملايين منهم، ومصادر استخباراتية ألمانية قالت أنها تعرف أن لأردوغان جواسيس في ألمانيا قبل طلبه المرفوض التجسس على الأتراك.
أردوغان في ما يبدو ليس واثقاً من أن الاستفتاء مضمون النتيجة، لذلك كثر نشاطه ضد المعارضين داخل تركيا وفي ألمانيا وغيرها. عشرة في المئة من الأتراك لا يزالون من دون قرار بتأييد الاستفتاء أو معارضته، وهؤلاء ربما كانوا الصوت المرجِّح في 16 نيسان (أبريل).
أرجو أن يُعلـِّم الناخبون الأتراك أردوغان درساً، ولكن لا أتوقع ذلك.