29 جريمة قتل ارتكبت ضد نساء وفتيات في العام 2016، ما يؤكد أننا نستسهل قتل المرأة، أو أننا “نتعايش” مع فكرة قتلها، فالرقم كبير جدا، وهو يكشف خبايانا وجوانياتنا، ويفضح تواطؤنا.
الدعوات والحملات لوقف قتل النساء تحت ذرائع عديدة، لم تعطِ أي ثمار، فقد استمر ارتكاب الجرائم بوتيرة متصاعدة منذ انطلاق تلك الحملات، وفي أحسن الأحوال حققنا “استقرارا” في أرقام الجرائم تلك.
كثيرة هي الأسباب التي قادت لهذه النتيجة، أهمها أن النساء رضين بالرجوع للصفوف الخلفية في مواجهة العنف ضدهن. وهنا، لا أتحدت عن نساء منظمات المجتمع المدني ومن لفّ لفهن، بل عن ربة المنزل التي صارت ترضى بالضرب والعنف، تحت مسمى أنها امرأة وعليها أن تخضع للرجل.
وأتساءل أحيانا؛ هل ساهم الربيع العربي، بكل نكساته، بعودة النساء ومطالبهن إلى الخلف؟ فالنساء اللواتي قدن الثورات وكنّ في الصفوف الأولى، عدن إلى الصفوف الخلفية بعد ما انتهى الدور المطلوب منهن!
تراجعت أحوال النساء؛ مرة لأن رجال السياسة لا يأخذون المرأة وقضيتها كقضية مصيرية وعنوان للتطور والتقدم، وتارة لأن المشرعين للمجتمع ما تزال نظرتهم قاصرة للنساء، وجهادهم واضح للإبقاء على مواد قانونية توقع الظلم عليهنّ، بل هو أمر لا يخجلون من إظهاره بحجة الحفاظ على الأسرة، وهو المشجب الذي صلبت عليه المرأة وحقوقها على مر السنوات.
وبالعودة إلى موضوع المقال، فغالبا ما يختبئ الجاني خلف ذريعة الدفاع عن “الشرف” أو غسل العار، معتمدا في ذلك على ثقافة تكرست لسنوات تنحاز للرجل دون تفكير طالما الضحية امرأة.
تلك ثقافة مجتمعية مكرّسة، ولكن، وللأسف الشديد، ساندتها منظومة تشريعية وأحكام قضائية رعت صياغة هذه الثقافة وشرعنتها على مدى عقود، فشهدنا كثيرا من القرارات التي لم تصبّ في مصلحة “الردع”، بل استثمرت في الثقافة المجتمعية ووقفت إلى جانبها، و”طبطبت” على الجناة.
أخيرا، وبعد عقود من انتظار العدالة والإنصاف، صدر نهاية الأسبوع الماضي قرار قضائي منصف للنساء. إذ قضى قرار محكمة التمييز بنقض حكم لمحكمة الجنايات الكبرى يقضي “باستعمال الأسباب المخففة التقديرية بحق شخصين دينا بقتل شقيقتهما باستخدام مادة سامة”.
المهم في القرار الأخير، إلى جانب أنه يرفع واحدا من أشكال ظلم النساء ويعطي حكما عادلا، ما جاء في تفسير قرار النقض الذي ارتكز على أن الحكم باستخدام العذر المخفف كان في غير محله، إذ “لم تراعِ بنزولها بالعقوبة للحد الأدنى بشاعة الجريمة التي اقترفها المحكوم عليهما، ولم تراع الطريقة التي نُفّذت بها جريمة قتل المغدورة وكيفية استدراجها ليلاً، ولم تراع محاولة المحكوم عليهما تضليل العدالة بأن المغدورة انتحرت من تلقاء نفسها، ولم تراع استهتار المحكوم عليهما بالنفس البشرية التي حرّم الله قتلها، وما أقدم عليه المحكوم عليهما يتنافى مع الروابط الأسرية التي تكرس وحدة العائلة”.
إلى هذه الدرجة كان القرار راقيا، ولم يقبل أن تبرَّر الجريمة وتكيّف كما يريد القتلة، وهو ما حدث مرات كثيرة في سنوات خلت، إذ استند القرار قبل النقض لوجود نصوص تعطي أعذارا وأسبابا مخففةً ورخصاً للجناة تمكّنهم، ليس فقط من ارتكاب جرائمهم بدم بارد واطمئنان، بل أيضا، الإفلات من العقوبة.
تنص المادة 98 من قانون العقوبات على أنه: “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.
بصراحة، ما دامت هذه العقلية متوفرة، فإن المطلوب العمل على إلغاء المواد القانونية التي تميز ضد النساء، وتحديدا المواد المتعلقة بالجرائم تحت ذريعة الشرف، وعلى رأسها المواد 340 و97 و98 و99.
جرائم الشرف لن تتوقف، لكن ما يمكن وقفه هو الانحياز للرجل في مثل هذه القضايا بحيث يستسهل الجريمة، وهذا الغطاء القانوني والاستسهال لن يتوقف إلا بتعديل التشريعات، وهذا هو المطلوب. لكن، ورغم ذلك، نسعد أن لدينا قرارا قضائيا محترما وإنسانيا وحضاريا، رفض مبدأ الأعذار لتخفيف العقوبة عن قاتل.