عروبة الإخباري- “لا أدّعي لنفسي أخلاقاً أسمى من أخلاقك أو نظرا أثقب من نظرك، غاية الأمر أن موقفي هذا قد يكون نتيجة لعمر كامل قضيته هنا، في هذه المنطقة، شاهدة على العواقب الوخيمة لكبت الناس ومنعهم من التعبير عن مظالمهم بالوسائل السلمية”.
بهذه الكلمات المتقتبسة، وجهت ريما خلف، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا”، استقالتها لأمين عام المنظمة الأممية، أنطونيو غوتيريش، يوم الجمعة الماضي، ردا على طلبه بسحب تقرير دولي يتهم إسرائيل بممارسة اضطهاد ضد الفلسطينيين.
كلمات استطاعت أن تفرض اسم السياسية والاقتصادية الأردنية، على الساحة خلال الأيام الماضية بعد أن وقفت صخرة منيعة في وجه التدليس، وأبت أن تزوّر الحقائق.
الوزيرة الأردنية السابقة، جسّدت في إقدامها على الاستقالة مقولة الكاتب الأمريكي “إلبرت هوبارد” إن “القليل من الإصرار يقابله الكثير من الإنجاز، وما يبدو لنا فاشلاً مخيباً للآمال قد يتحول فجأة إلى نصر مجيد”.
وولدت ريما خلف الهنيدي عام 1953 في الكويت، وهي تحمل شهادة بكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1976، والماجستير والدكتوراه في علم الأنظمة من جامعة ولاية بورتلاند الأمريكية عام 1984.
وشغلت خلف عددًا من المناصب الرفيعة في الأردن، حيث تولت منصب وزيرة الصناعة والتجارة (1993-1995)، ووزيرة التخطيط (1995-1998)، ونائبة رئيس الوزراء (1999-2000).
كما تقلدت منصب مساعدة للأمين العام للأمم المتحدة ومديرة إقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2000- 2006)، ورئيسةً للمجلس الاستشاري لصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية (2006-2007).
وبحسب توصيف الموقع الرسمي لـ”الإسكوا” لخلف، فإنها سيدة تحمل شغفاً بالمنطقة ومعرفة عميقة بخصائصها، بتحدياتها وفرصها، وفي عهدها، اتسعت عضوية اللجنة إلى 18 دولة عربية بعد انضمام تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا.
كما أطلقت خلف تقارير رئيسية منها تقرير حول انعكاسات الاحتلال الإسرائيلي على الأحوال المعيشية للشعب الفلسطيني، وتقرير التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية، بحسب الموقع نفسه.
وخلال تولّي خلف منصب مساعد الأمين العام ومدير المكتب الإقليمي للبلدان العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بين عامي 2000 و2006، أطلقت مشاريع ريادية تهدف إلى تعزيز الحكم الرشيد وحقوق الإنسان والتنمية البشرية في البلدان العربية.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2009، اختيرت خلف من قبل صحيفة “الفايننشال تايمز″ الأمريكية من بين الشخصيات الـ 50 الأولى في العالم التي رسمت ملامح العقد الماضي.
ونالت العديد من الأوسمة الدولية كجائزة الأمير كلاوس، وجائزة الملك حسين للقيادة، كما حازت عام 2005 على جائزة جامعة الدول العربية للمرأة العربية الأكثر تميزاً في المنظمات الدولية.
وخلال رئاستها للفريق الوزاري الاقتصادي بالأردن، قادت خلف مسيرة إصلاح الاقتصاد وتحديثه بالتزامن مع تنفيذ جملة من الإجراءات الاجتماعية لتنمية القدرات البشرية، والحدّ من الفقر ودعم شبكة الأمان الاجتماعي.
وتساهم خلف بشكل دائم في المنتديات الإقليمية والدولية المعنية بالحوكمة العالمية والتنمية في البلدان العربية، وتشارك في عدد من اللجان الدولية، منها اللجنة الرفيعة المستوى لتحديث إدارة مجموعة البنك الدولي (2008-2009).
ووجّهت خلف، يوم الجمعة الماضي، صفعة لإسرائيل والولايات المتحدة، رافضةً ضغوطاتها عبر الأمين العام للأمم المتحدة؛ لسحب تقرير يتهم تل أبيب بفرض “نظام فصل عنصري” على الفلسطينيين.
خلف التي لم تلتفت لمنصبها، ووضعت غوتيريش في موقف لا يُحسد عليه، أظهرت للعالم الانحياز الواضح ضد القضية العربية الأولى، ألا وهي القضية الفلسطينية.
المرأة العربية التي أصبحت اليوم حديث الجميع، أثبتت أنها صاحبة موقف، فرغم أنها كانت أول سيدة أردنية تتولى منصب نائب رئيس الوزراء عام 1999 في عهد رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، إلا أنها استقالت بعد خلافها معه بسبب تمسّكها باستقلالية قرارها دون مخالفتها سياسات الحكومة.
والأربعاء الماضي، استعرضت خلف، في مؤتمر صحفي، تقريرا أعدته “الإسكوا” خلص إلى أن “إسرائيل قد أسست نظام فصل عنصري تجاه الشعب الفلسطيني بأكمله”.
وهو التقرير الذي تبرأ منه الأمين العام للأمم المتحدة، فيما قال المتحدث باسمه، استيفان دوغريك، إن “التقرير لا يعكس آراء الأمين العام، وما ورد فيه إنما يعكس فقط (آراء) هؤلاء الذين قاموا بكتابته. ونحن نعرفهم”.
وتقديرا لشجاعتها ودعمها للقضية الفلسطينية، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس منح خلف، أعلى وسام فلسطيني “تقديرا لشجاعتها ودعمها ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.(الأناضول)