كاد رجب طيب أردوغان أن يهدي الانتخابات النيابية في هولندا إلى السياسي الحقير خيرت فيلدرز، إلا أن الشعب الهولندي أثبت أنه ديموقراطي في بلد يُحتذى، وفاز الحزب الليبرالي، حزب رئيس الوزراء مارك روت، بغالبية واضحة في البرلمان، مع حاجته إلى تحالفات نيابية لتشكيل حكومة جديدة.
مقالي اليوم عن تركيا أردوغان، ولكن أريد قبل أن أنتقل اليه أن أشير إلى فيلدرز، فهو على يمين اليمين وقد دعا يوماً إلى منع القرآن الكريم وشبهه بكتاب هتلر «كفاحي»، وطالب بإغلاق المساجد والمراكز الإسلامية الثقافية والمدارس الإسلامية. صفة فيلدرز عندي أنه «واطي» ثم جاهل. أتحداه إلى مناظرة تلفزيونية نقارن فيها بين القرآن الكريم والتوراة لنرى أياً من الكتابَيْن يدعو الى إبادة جنس، وأياً منهما دين سلام. حتى عندما يدعو القرآن الكريم إلى قتال المشركين ويقول «وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» يكمل بالقول في الآية نفسها «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم». (سورة التوبة، الآية 5).
أستطيع أن آتي بمئة مثل على الفرق بين التوراة والقرآن الكريم لكن أعود إلى أردوغان، فبعد بداية طيبة لحزب العدالة والتنمية في الحكم ونمو الاقتصاد التركي في شكل مذهل، انكفأ أردوغان مع عصابته، لا حزبه، ليبني سلطنة جديدة سيكون عليها استفتاء الشهر المقبل.
هو اتهم ألمانيا وهولندا بممارسات نازية، وكل منهما بلد ديموقراطي جداً. بل إنه حمَّل جنود السلام الهولنديين العاملين مع الأمم المتحدة في سريبرنيتسا، وهي في شرق البوسنة، المسؤولية عن مقتل ثمانية آلاف مسلم في مجزرة سنة 1995. حتماً الهولنديون أبرياء من المجزرة، وأردوغان يتكلم كأحد النازيين الجدد، وينقل التهمة من نفسه إلى الآخرين.
الكلام أهون من أفعال أردوغان فهو بعد محاولة الانقلاب الفاشل في تموز (يوليو) الماضي اعتقل 45 ألف عسكري وشرطي وقاضٍ وأستاذ جامعي وسياسي وصحافي. هو أوقف 130 ألف موظف حكومي عن العمل. بين الذين طردهم أردوغان ثلاثة آلاف من سلك القضاء، وبين الذين سجنهم حوالى 150 صحافياً مع إغلاق 170 مؤسسة صحافية.
هؤلاء الناس جميعاً لم يشاركوا في محاولة الانقلاب ولم يرتكبوا جريمة تستحق أن يُحاسبوا عليها. أردوغان يريد إخلاء المجال السياسي له وحده ليحكم تركيا وكأنه «سلطان» آخر، وكل السلطات في يديه مع إلغاء منصب رئيس الوزراء.
كنت رحبت بوصول أردوغان إلى الحكم في تركيا، وشكرته على مواقفه من العرب وانتصاره للفلسطينيين ضد إسرائيل، إلا أنه تغير حتى لم يعد الشخص ذاته الذي رحبنا به بعد 2002. كنت أعتقد أنه نموذج للحكم الإسلامي المستنير، وهو أثبت سذاجتي. اليوم لم يبقَ لي من الإسلاميين المستنيرين غير الأخ عبدالإله بن كيران في المغرب.
الدكتاتور التركي من الوقاحة أن يتهم ألمانيا ثم هولندا بممارسات نازية، لمجرد أن إثنين من وزرائه مُنعا من دخول هولندا لحضّ الأتراك المقيمين فيها على التصويت له. هل يعرف أردوغان أن رئيس بلدية روتردام أحمد بوطالب من أصل مغربي؟ لا بد أن تكون لي عودة إلى الموضوع لأن أردوغان سيفعل أو يرتكب ما يستحق تعليقاً.