أتاحت زيارة وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان لبنان الفرصة لتذكير الرئيس اللبناني ميشال عون بأن قرار مجلس الأمن ١٧٠١ الذي تم التصويت عليه بالإجماع في آب (اغسطس) ٢٠٠٦ والذي أوقف الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل عليه يتحدث عن هدف التوصل إلى بسط الدولة اللبنانية سلطتها على جميع أراضيه، ما يعني عدم نشر أي سلاح غير شرعي على الأراضي اللبنانية عدا القوات الشرعية. كما يعني أيضاً أن سلاح «حزب الله» ليس مكملاً للجيش اللبناني. لودريان ذكّر في خطابه في السفارة الفرنسية في بيروت بأن القرار ١٧٠١ ساعد على توقف العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 نتيجة مبادرة الرئيس جاك شيراك. كما أن السيناتور الأميركي كوركر الذي زار لبنان وكان بالغ الاستياء من تصريح الرئيس عون للتلفزيون المصري الذي قال فيه ان سلاح «حزب الله» ليس مناقضاً للدولة بل هو جزء أساسي للدفاع عنها.
تصريحات الرئيس اللبناني أثارت قلق الغرب الذي يمد الجيش اللبناني بالمساعدات والدعم، فهاجس الغرب اليوم مع الرئيس دونالد ترامب على رأس الولايات المتحدة هو تحركات إيران في المنطقة من العراق إلى سورية ولبنان واليمن والبحرين. وهناك مشروع قانون جديد موجود في الكونغرس الأميركي ما زال مضمونه غير معروف ولكنه مرتبط بتشديد العقوبات المالية على «حزب الله» ولبنان. والدبلوماسيون الغربيون الذين يعملون في لبنان يحاولون أن يشرحوا لإداراتهم أن لبنان ما زال ضعيفاً ولا يستطيع بعد التخلص من نفوذ سلاح «حزب الله»، ولكنهم يتوقعون على الأقل أن يظهر لبنان ينتهج الطريق الصحيح للتخلص من وطأة السلاح غير الشرعي، فأقوال العماد عون أثارت قلقاً في الغرب الذي يساعد جيش لبنان ويدعمه بقوة، فالإدارة الأميركية هي أكبر داعم للجيش اللبناني بالمعدات والتدريب. واليوم، وبينما يخفض ترامب موازنة جميع المساعدات إلى الخارج ومواقف أعضاء الكونغرس ليست معتدلة أو لينة، تشكل تصريحات الرئيس اللبناني خطراً جدياً على دعم الغرب، وخصوصاً أميركا للجيش. وكانت الهبة السعودية للجيش اللبناني أوقفت لسبب مشابه، فلبنان ليس بحاجة إلى مثل هذه التصريحات التي تظهر النفوذ المتزايد لـ «حزب الله» على حليفه الرئيس اللبناني الذي لم يعد رئيس حزب بعد أن تولى الرئاسة، بل هو رئيس لكل لبنان وحارس لسيادته. أما رئيس الحكومة سعد الحريري فكرر رفضه سلاح «حزب الله» وتدخل هذا الحزب في سورية، وقال إنها مواضيع لا تزال موضع خلاف داخل الحكم اللبناني، ولكن يبدو أن هذا لن يكون كافياً، لأن تصريحات عون أقلقت كل داعمي الجيش اللبناني في الغرب، لأنها ليست في الاتجاه الصحيح، وعلى لبنان أن يؤكد حرصه على الدعم وعدم مواجهة العقوبات من دول صديقة كانت تتفهم وضعه، ولكنها لم تتفهم حاجة الرئيس إلى مثل هذا التصريح الذي برره بخطورة إسرائيل.
صحيح أن الخطر الإسرائيلي يهدد لبنان ولكن يجب تفادي الوقوع في فخ ما حصل في ٢٠٠٦ وتجنيب البلد مجازفة أخرى تؤدي إلى عدوان إسرائيلي وحشي. على الطبقة الحاكمة أن تكون حذرة جداً إزاء هذا الواقع مع إدارة أميركية جديدة لا تفهم إلا موقفاً واضحاً. فالأمور عندها إما سوداء أو بيضاء. ولا مجال لتكون للمواقف بين الاثنين. فتدخل إيران في المنطقة هو هاجس هذه الإدارة، ومهما نبه الجانب الفرنسي محاوريه في البيت الأبيض إلى هشاشة الوضع اللبناني وخطورة مقاومة إيران فيه، فإن أقوال الرئيس اللبناني لا تساعد على تفهم الجانب الأميركي والغربي عموماً، وإن كانت فرنسا أكثر تفهماً وتعاطفاً مع لبنان.
أما بالنسبة إلى الوضع المالي اللبناني، فحملات الصحف المقربة من «حزب الله» على حاكم المصرف المركزي رياض سلامه هي إجرام بحق لبنان، فهذا الحاكم هو ضامن استقرار القطاع المصرفي والمالي في البلد. ولا أحد مثله يدافع بقوة عن التزام المصارف بالقوانين الدولية والحزم في مراقبة الأموال التي تدخل البلد وتطبيق الشروط العالمية لمنع أي تبييض أموال وأي استخدام للمصارف من الخاضعين لعقوبات دولية، فضلاً عن أنه حاكم ناجح وذو رؤية مكنت لبنان من تفادي الكوارث المالية. فإذا كانت نية «حزب الله» النيل من هذا القطاع فسيعني ذلك نهايته. وعلى الطبقة السياسية أن تتنبه إلى هذه الخطورة، لأن صلابة القطاع المصرفي والمالي أساسية.