على مدى اليومين الماضيين، تداول الأردنيون ما قيل إنها “معلومات” نُسبت إلى النائب صداح الحباشنة؛ يتحدث فيها عن حجم الإيرادات المحلية للدولة الأردنية. وقد تفاعل الناس عموماً مع الأرقام المذكورة باعتبارها حقيقة.
النائب الحباشنة لم ينفِ البيانات التي تم تداولها على نطاق واسع، وقيل إنه نشرها على صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك”، معتبراً أنه يكشف أسراراً تحمل بين طياتها معلومات صادمة بشأن ما قال إنه إجمالي إيرادات الدولة، ومتسائلا في منشوره: أين أموال الأردن المنهوبة؟! انظروا!
بصراحة، ما ذكره سعادة النائب صادم وكارثي وخطر، لكن ليس بسبب دقته، بل العكس! أي نتيجة المبالغة والجهل المعرفي في ما قدمه للناس. وأتحدى بالقول إنّ كل ما نشره غير صحيح، بل وبعيد جدا عن الحقيقة والواقع وفهم الأرقام.
وقبل أن أبدأ بتفنيد بعض ما أورده النائب من أخطاء كارثية، ومعلومات أقل ما توصف به أنها سطحية، أقول إن فجوة الثقة بين الحكومات والمؤسسات الرسمية وبين المجتمع تفعل أكثر من ذلك، إذ تفسح المجال لتصديق ما هو أخطر مما نشره الحباشنة.
يقدر النائب مجموع الإيرادات المحلية بمبلغ 46.76 مليار دولار سنويا، فيما هي لا تزيد في الحقيقة على 10 مليارات دينار، وبما يكشف عن مبالغة غير منطقية، وجهل بالأرقام. وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على بند النفقات؛ إذ يذكر الحباشنة أن إجمالي النفقات الحكومية، بما فيها الجيش، يبلغ 8.5 مليار دولار سنويا، رغم أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، إذ يبلغ 10.727 مليار دينار.
وبالنتيجة، تبلغ قيمة الأموال التي نجهل مصيرها، بحسب تقديرات النائب، نحو 38.26 مليار دولار سنوياً! ما يطرح تساؤلا جوهريا، كيف يخرج هذا الكلام عن نائب في البرلمان، وما ننتظر من الناس العاديين!؟
في التفاصيل أيضاً، يقول سعادة النائب إن شركة البوتاس تؤمّن 621 مليون دولار سنويا، كما ترفد “الفوسفات” الإيرادات بمبلغ 230 مليون دولار سنويا، رغم أنهما شركتا مساهمة عامة؛ أي إن نتائجهما المالية منشورة، بما في ذلك الأرباح السنوية، كما مساهمة الحكومة فيهما. هذا عدا عن حقيقة أن شركة الفوسفات تعاني خسائر خلال السنوات الماضية.
هكذا، وإزاء ما تثيره “معلومات” النائب من دهشة واستغراب، يكون السؤال: من أين جاء بهذه الأرقام، ولا سيما أنها تحمل في طياتها تهماً كبيرة بسرقة الأموال ونهبها؟ ومن حق الأردن وأهله أن يثبت الحباشنة ما يقوله.
الصدمة تصبح أكبر حين يقول النائب إن عائدات الجمارك تبلغ سنوياً 10.6 مليار دولار، فيما هي بلغت فعلياً خلال العام الماضي 1.559 مليار دينار. كما خانه حسن التقدير حين ذكر أن إيرادات ضريبة المبيعات تبلغ 3 مليارات دولار، مع أنها تبلغ أكثر من ذلك بكثير، وتحديداً 3.1 مليار دينار (وليس دولارا) سنوياً، بحسب تقديرات موازنة العام الحالي.
أيضاً، أورد الحباشنة أرقاما حول أرباح “توزيع الكهرباء”، وضريبة الدخل على رواتب الموظفين ومتقاعدي الضمان الاجتماعي، وإيرادات دائرة الأراضي والمساحة ودائرة السير، والمساعدات الخارجية، إضافة إلى دخل الجامعات الأردنية الرسمية، وأرباح مبيعات الغاز، وإيرادات أمانة عمان والبلديات وتلك المتأتية من تصاريح العمال الوافدين، وعوائد بيع المياه وميناء العقبة والسياحة، وأرباح مبيعات النفط ومشتقاته.
لكنني أتوقف عند هذا الحد في تفنيد ما عرضه النائب من أرقام، لأن القضية ليست في أرقامه وما تنشره من جهل وتجهيل، بل لماذا وكيف صدّقها كثير جداً من الناس وتداولوها كأنها علم مبين؛ وبما يعني أن أي رواية، ورغم عدم منطقيتها، تقنع الناس اليوم أكثر من الرواية الرسمية! الأمر الذي يفرض مراجعة عميقة، لإعادة صدقية الرواية الرسمية، علّنا نقلّص فجوة الثقة بين المستويين الرسمي والشعبي.
بعض المشكلة في ما كتبه النائب، وهو الذي يفترض به أنه شخص مسؤول؛ فيما الجزء الأكبر من المشكلة في المؤسسات التي ابتعدت عن الناس، وقصّرت في شرح الحقائق.