عروبة الإخباري – قال البنك الدولي إن الأردن يمكن اعتباره قصة نجاح قياساً على تجربته العاصفة في الثمانينيات.
وبين البنك في دراسة تشخيصية على الاقتصاد الأردني أنه خلال عقد الثمانينيات أسفرت فترة طال أمدها من انخفاض أسعار النفط وارتفاع عبء المالية العامة عن أزمة الموازنة وسعر الصرف في 1989-1988 والتي تطورت إلى توترات سياسية داخلية شديدة نتيجة لتدابير التقشف والهيكل النيابي البالي الذي كان يتسم به البرلمان آنذاك.
لكن منذ 1990 إلى 2014، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 4.9 %، أرفقه نمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2 %. وتعتبر المؤسسات السياسية أعمق كثيرا عمّا كانت عليه في الثمانينيات، وأثبت المجتمع قدرته على الصمود في وجه موجات عديدة من الإصلاحات الصعبة والصدمات منذ ذلك الحين.
وسلطت دراسة البنك الدولي على الاقتصاد الأردني الضوء على مجموعة من المشكلات والتحديات التي تواجه الأردن.
وقالت الدراسة، التي جاءت بعنوان “تشجيع إنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك”، إنّ الأداء الاقتصادي بالشكل المتعارف عليه حاليا في المملكة لن يكون كافياً لاستعادة معدلات النمو الاقتصادي ما قبل العام 2011، مع استبعاد الوصول إلى معدلات النمو المستهدفة في 2025 والتي قدرت بـ 7.5 % .
ووفقا للدراسة، التي نشرت العام الماضي، فإنّ الدين العام تجاوز العديد من “الخطوط الحمراء”، ولم يعد هناك مجال لحمايته من أي صدمات، وخصوصاً في ظل الحاجات التمويلية الناتجة عن الأزمة السورية.
وقال إنّ عبء المالية العامة الناتج عن المساومات الاجتماعية السياسية الحالية متزايد الصعوبة.
وأشارت الدراسة الى أنّ الأردن يتلقى تدفقات استناداً إلى موجود غير منظور ومتقلب لكنه عظيم القيمة، ويقع في منطقة غنية بالموارد تثمّن ذلك الموجود. وبالتالي ينبغي أن نتوقع رؤية عناصر من السلوك الريعي وأعراض ما يسمى في الاقتصاد بـ”المرض الهولندي”.
وقالت الدراسة إن “البلد يتمتع بتوازن سياسي داخلي معقد ودقيق ناتج نوعاً ما عن صدمات سابقة، ويعود هذا التوازن السياسي إلى ميثاق الأردن بعد العام 1948 بين المواطنين الأصليين آنذاك وموجات الهجرة التي أعقبت ذلك. تمثل جزءا من استراتيجية التلاؤم في قطاع عام ضخم يوفر الخدمات اللازمة للمهاجرين قسرا، فيما استخدمت وظائف القطاع العام، ومن ضمنها قطاع الأمن، لتحصين المجتمعات المضيفة”.
وأدى هذا إلى تقسيم ضمني للوظائف بين المواطنين الأصليين في القطاع العام، في حين أن المهاجرين سعوا إلى كسب عيشهم في القطاع الخاص.
وبمرور الوقت أسفرت قيود المالية العامة عن عدم قدرة القطاع العام على استيعاب جميع الأردنيين الأصليين، في حين أن القطاع الخاص الناشئ أثبت مرونته في وجه الأوضاع الاقتصادية المتقلبة.
وقالت الدراسة إنّ الأردن تعرض بدرجة عالية للغاية للصدمات الخارجية الناشئة عن موقعه الجغرافي، وإن هذا التعرض العالي للصدمات السلبية لم يؤد إلى نتائج اقتصادية دون المتوسط للأردن.
وتقول الدراسة إنه من “الملامح المدهشة” في النمو الأردني أنه لم يؤد إلى زيادة كبيرة في فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص ويشغلها المواطنون. فقد انخفضت مرونة نمو التشغيل من 1.16 أثناء 1999-1990 إلى 0.53 أثناء 2009-2000. وتبينت صعوبة التوسع في زيادة الإنتاجية التي حدثت في قليل من القطاعات الصاعدة كثيفة المعرفة (تكنولوجيا المعلومات والاتصال، الصحة، الخدمات المالية، إلى آخره) وهي يقيناً ليست كبيرة بما يكفي لاستيعاب الطفرة الشبابية. وظلت الإنتاجية منخفضة في القطاعات كثيفة الأيدي العاملة، مما أدى إلى خلق وظائف متدنية الأجر لا تتطلب مهارات عالية لا تستهوي الأردنيين فشغلها عمال أجانب (لاجئون أو مهاجرون من البلدان المجاورة الأفقر).
ويقول البنك إنّ الأداء الاقتصادي بالشكل المتعارف عليه حاليا في المملكة لن يكون كافياً لاستعادة الأداء السابق (قبل 2011)، فضلا عن الوصول إلى النمو بنسبة 7.5 % في السيناريو المستهدف للأردن 2025.
وتؤكد الدراسة عدم القدرة على استدامة تسريع وتيرة النمو، وقاعدة التصدير الصغيرة جداً، واستمرار الاختلالات في المالية العامة والمعاملات الخارجية، والاختناقات التي تسهم في اتجاه الاستثمارات إلى الانخفاض كنسبة من إجمالي الناتج المحلي.
وتقول الدراسة، التي أجريت في 2015 ونشرت العام الماضي، “ازداد الدين العام متجاوزا العديد من “الخطوط الحمراء” ولم يعد هناك مجال لحمايته من أي صدمات أخرى، وخصوصاً في ظل الحاجات التمويلية الناتجة عن الأزمة السورية.
وفيما يخص الفقر، يؤكد التقييم أنّ عدد الفقراء في الأردن منخفض، لكنه يشير الى هشاشة هذا العدد، حيث يبين أنّ ثلث السكان يشهد انزلاقاً إلى هوة الفقر خلال سنة واحدة، ونفقات الأسر المعيشية في الخمس الأدنى دخلاً ستعتصرها التعديلات (المطلوبة) في تكلفة الطاقة والنقل. علاوة على ذلك فعلى الرغم من أن إمكانية الحصول على خدمات القطاع الاجتماعي مرتفعة، يوجد تفاوت كبير في الجودة نتيجة آليات التمويل وتقديم الخدمات، وخصوصاً في قطاع الصحة.
وتعتبر الضغوط على الاستدامة الاجتماعية، التي عمقتها الأزمة السورية، قاسماً مشتركاً بين هذه الصعوبات. فعبء المالية العامة الناتج عن المساومات الاجتماعية السياسية الحالية متزايد الصعوبة. لكن لو أعيد النظر في هذه المساومات، مثلاً من حيث الحصول على وظائف القطاع العام والدعم المالي كعنصرين أساسيين في العلاقات بين الحكومة والمواطنين، فسوف تزداد صعوبة احتواء التصدعات في المجتمع. وتتجلى أمام أعيننا عناصر من هذا في الشعور بالاغتراب بين الشباب، لا سيما في المناطق خارج عمان التي يعتبرها “متخلفة عن الركب”.
النقطة البالغة الأهمية هي أن المخاطر التي تواجه الأردن- كما الحال مع معظم أنواع المخاطر – مرتبطة بـالفرصة، بمعنى إمكانية تحقيق مكاسب. بالنسبة للأردن، تنشأ إمكانية تحقيق مكاسب من قدرته المؤكدة على الاحتشاد حول بعض الإصلاحات ودور البلد المميز في الشرق الأوسط كبلد حافظ على استقراره السياسي على الرغم من اضطراره إلى استيعاب تأثيرات الصدمات النابعة من جيرانه. إن اهتمام البلدان الغربية بتدعيم استقرار الأردن ومساعدته على تخفيف حدة تلك التأثيرات قد تمخض عن حصول الحكومة على قدر كبير من المنح والموارد التمويلية بأسعار تقل عن أسعار السوق، والتي يمكن توظيفها لتخفيف تكلفة الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. بالإضافة إلى ذلك ففي جنوب الأردن، وتحديداً في مجلس التعاون الخليجي، توجد أغنى منطقة بالنفط في العالم. وأسفرت تنمية الثروة النفطية في مجلس التعاون الخليجي عن آثار مفيدة للأردن من حيث تحويلات المغتربين والاستهلاك والتدفقات الاستثمارية والدعم الرسمي بالمنح.
على الرغم من أن هذا الريع مفيد للأردن بطبيعة الحال، فإن الآثار الجانبية النمطية ستنطبق على البلد أيضا. فسيتم إنفاق دخل الريوع في قطاعات متنوعة، بما في ذلك السلع غير القابلة للتداول، وسيرتفع سعر السلع غير القابلة للتداول، وسيحدث ارتفاع في سعر الصرف يعوق القدرة التنافسية لقطاع السلع القابلة للتداول. المقصد الأساسي هو أن الأردن يتلقى تدفقات استناداً إلى موجود غير منظور ومتقلب لكنه عظيم القيمة، ويقع في منطقة غنية بالموارد تثمن ذلك الموجود. وبالتالي ينبغي أن نتوقع رؤية عناصر من السلوك الريعي وأعراض “المرض الهولندي”.
ويعرف المرض الهولندي في الاقتصاد أنّه “العلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية بسبب الموارد الطبيعية وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية (أو الزراعية). أي أنّ ارتفاع عائدات الموارد الطبيعية (أو تدفقات المساعدات الخارجية) ستجعل عملة الدولة المعنية أقوى بالمقارنة مع الدول الأخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة صادراتها بالنسبة للبلدان الأخرى، بينما تصبح وارداتها أرخص، مما يجعل قطاع الصناعات التحويلية عندها أقل قدرة على المنافسة.
لكن الأردن ليس مجرد طرف سلبي متلق للريوع ومستوعب للصدمات. فالبلد يتمتع بتوازن سياسي داخلي معقد ودقيق ناتج نوعاً ما عن صدمات سابقة، وإن كان هو أيضاً وسيلة للتلاؤم معها. يعود هذا التوازن السياسي إلى ميثاق الأردن بعد العام 1948 بين المواطنين الأصليين آنذاك وموجات الهجرة التي أعقبت ذلك. تمثل جزء من استراتيجية التلاؤم في قطاع عام ضخم يوفر الخدمات اللازمة للمهاجرين قسرا، فيما استخدمت وظائف القطاع العام، ومن ضمنها قطاع الأمن، لتحصين المجتمعات المضيفة.
وأدى هذا إلى تقسيم ضمني للوظائف بين المواطنين الأصليين في القطاع العام، في حين أن المهاجرين سعوا إلى كسب عيشهم في القطاع الخاص. ونتيجة لمناخ الأعمال المتصلب ووجود الشركات التجارية العائلية المهيمنة في القطاعات التجارية، كانت هذه الفرص الأخيرة قائمة في أغلب الأحوال في القطاع غير الرسمي.
وبمرور الوقت أسفرت قيود المالية العامة عن عدم قدرة القطاع العام على استيعاب جميع الأردنيين الأصليين، في حين أن القطاع الخاص الناشئ أثبت مرونته في وجه الأوضاع الاقتصادية المتقلبة، مشيرة إلى أن التقسيم الأصلي للوظائف في المجتمع بين مختلف الفئات أفسح الطريق أمام طبقة وسطى عديمة الملامح تشمل عمال القطاع العام، ولا سيما في الطبقة الإدارية، وموظفي وأصحاب الشركات الصغيرة في قطاع الأعمال، والسكان المهاجرين الأقدمين (لاجئو 1948 و1967 ومؤخرا جدا لاجئو العراق وسورية) الذين بنوا موارد رزق في الأردن. تفرض ديناميكيات هذا التركيب الاجتماعي ضغطاً متزايدا على الميثاق الاجتماعي التقليدي، لأسباب ليس أقلها أن مظالم “الناخب الوسيط” الجديد تمثل مزيجاً من المشاكل. والحقيقة أن الإحساس بغياب أي اختيار ذي معنى فيما يخص القضايا الحرجة، على الرغم من قوة البرلمان المتزايدة، تمخض عن لامبالاة سياسية تهدد – في حالة الشباب – بالوقوع في هوة التغريب.
وتضع الدراسة فرضيتين في تحليل اقتصاد الريع السياسي والهيكل الاجتماعي في الأردن، تشكلان هيكل تحليل المعوقات. الفرضية الأولى هي أن الأردن لا يدير المخاطر بالفعالية التي يقدر عليها، على مستوى الحكومة أو الأسرة أو الشركة. الثانية هي أن هناك تشوهات كبيرة في أداء أسواق العمل ورأس المال، ما يعوق قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل عالية الإنتاجية.
وتفترض الفرضية الأولى أنه نظرا للاعتماد المفرط على إمكانية حصول الحكومة على تدفقات رسمية من الديون بأسعار تقل عن أسعار السوق لإدارة التقلبات، شهد الأردن تبعات سلبية للصدمات كان يمكن تجنبها، وأخفق في تحقيق الاستفادة الكاملة من الفرص الإيجابية المرتبطة بهذه الصدمات. وبما أنه لا يتم تعويض المخاطر أو تقاسمها بفعالية، تتحمل الأسر المعيشية والشركات والحكومة مخاطر زائدة.
فعلى مستوى الحكومة، يعتبر قطاع الكهرباء مثالاً صارخاً يبين كيف طغى نهج انتهازي استناداً إلى أسعار الوقود على المدى القريب على المخاطر المتوقعة الناشئة عن نقص تنويع مصادر الوقود. وكانت النتيجة أن قطع إمدادات الغاز القادمة من مصر تسبب في تعرض شركة الكهرباء الوطنية لأزمة ديون مضمونة من قبل الحكومة. كان يمكن أيضاً إدارة مخاطر الاقتصاد الكلي من خلال الأدوات المالية التي بات كثير منها يعتبر بشكل متزايد جزءاً من مجموعة معيارية من الأدوات التي تستخدمها وكالات إدارة الديون. لكن التركيز الرئيسي لأنشطة إدارة الديون في الأردن كان ينصب على تلبية الحاجات العاجلة على الروزنامة التمويلية، ولا سيما من خلال أدوات محصنة ضد المخاطر السيادية (كالضمانات الأميركية).
بالنسبة للأسر المعيشية، نجد أن القدرة على إدارة المخاطر تعوقها شبكة أمان اجتماعي صُممت إلى حد كبير استناداً إلى تحويلات نقدية فئوية ودعم حكومي للأسعار، على الرغم من أنها بدأت تتطور نحو شكل مستهدف من أشكال الدعم والتحويلات النقدية. غير أن إمكانية الحصول على التمويل تظل تحديا كبيرا أمام الأسر المعيشية الأقل دخلا، ومعها إمكانية الحصول على الأدوات التي تتيح مساعدتها على التلاؤم مع المخاطر. وهكذا فهناك علاقة وثيقة بين الإدارة المتزنة للمخاطر والإنصاف. ففي القطاع الخاص، حدّت المخاطر الزائدة من استعداد الشركات وقدرتها على الاستثمار مثلاً في النفقات الرأسمالية أو خطط التوسع، وهو ما كان من شأنه أن يساعد على نمو الشركات وربما يخلق فرص عمل جديدة. يشوه وجود الريوع الجغرافية السياسية أيضاً آليات إدارة المخاطر التي تستخدمها شركات القطاع الخاص، ولا سيما أثناء أوقات الأزمات والصدمات.
من المهم أيضاً أن نستبين الصلة بين إدارة المخاطر والاستدامة. فكما تبين الدراسة التشخيصية، يواجه الأردن تشكيلة واسعة على غير المعتاد من مخاطر الاستدامة الناتجة عن الاقتصاد الكلي (وخصوصاً ميزان المعاملات الخارجية) والمياه والضغوط الاجتماعية المتفاقمة بتدفق اللاجئين السوريين. ومن شأن اتباع نهج استراتيجي في إدارة المخاطر أن يضمن إدارة مشاكل الاستدامة هذه على أعلى مستوى حكومي، ويضمن بالتالي للاستجابات على صعيد السياسات المرتبطة بذلك أن تتخلل الإدارة بأكملها. والحقيقة أنه على الرغم من أن الاستراتيجيات الحكومية، وأحدثها “الأردن 2025″، تؤدي دورا محمودا في تحليل هذه المخاطر، ليس من الواضح أن هناك نهجاً نظامياً ومتكاملاً في التعامل مع الاستدامة يستنير به العمل الحكومي اليومي في الإرشاد من القيادة إلى إدارة وسطى تنعم بالتمكين.
الفرضية الثانية، في الدراسة، ركزت على أداء الأسواق؛ حيث تشير إلى أن مستوى الاستثمارات يفتقر إلى القوة ولم تكن الطفرات الاستثمارية مستدامة.
وتقول الدراسة إنه عندما ننظر إلى الاستثمارات الحكومية نجد النمط العام هو أن تأتي إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة على حساب البرنامج الرأسمالي الحكومي. ففي ظل اعتبار كشوف رواتب القطاع العام والدعم الحكومي (قبل 2011) شيئاً لا يقبل المساس، كان المجال الوحيد المتاح أمام خفض الموازنة هو الاستثمارات العامة. لكن هناك قيدين مهمين على هذا الاتجاه العام لخفض الاستثمارات العامة؛ فهناك دلائل على تقليص نفقات التشغيل والصيانة بشدة على وجه الخصوص لإفساح المجال أمام البنود الأخرى. علاوة على ذلك، فبما أن الحكومة لديها خيار المانحين المستعدين لتمويل المشاريع الرأسمالية، كان بالإمكان تعبئة التمويل بمنحة محددة الغرض لمشاريع مختارة ضمن البرنامج الرأسمالي. لكن هذين العاملين (عدم كفاية الموارد التمويلية للتشغيل والصيانة، وتمويل المانحين للمشاريع الرأسمالية) يتفاعلان بالسلب أحدهما مع الآخر. فالميزانية الرأسمالية لا تتضمن تقارير شاملة عن نفقات التشغيل والصيانة، والجاذبية الظاهرية للمشاريع الممولة من المانحين تأتي على حساب البرامج طويلة الأمد لتشغيل وصيانة الأصول المرتبطة بها. وحقيقة أن الموازنة يتم إعدادها على أساس البنود ولا يمكن مطابقتها بسجل للأصول تصعّب بشدة إدارة الأصول العامة القائمة والمرتقبة إدارة سليمة. نتيجة لذلك هناك تكلفة مزدوجة تترتب على طريقة إدارة برنامج الاستثمارات العامة؛ إذ إن الحيز المتاح للمشاريع الجديدة، وخصوصاً المشاريع ذات المنافع المنتشرة، محدود، لكن مخزون الأصول القائمة آخذ في التدهور في ظل تراكم المزيد من التزامات التكاليف المتكررة فيما يخص المشاريع التي تمر عبر النظام.
وأما الاستثمارات الخاصة فتتسم بضعف عام في العنصر المحلي منها طفرات تحدث من حين إلى آخر في الاستثمارات الأجنبية المباشرة ثم تتراجع تدريجياً حتى تتلاشى.
وقالت الدراسة إن هناك موجة من الإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بالخصخصة كانت قد بدأت في التسعينيات، لكن استجابة المستثمرين تسارعت بعد حسم مصير نظام صدام في 2003، الذي كانت الضبابية المحيطة به من قبل قد أضعفت الثقة. وعززت هذه البيئة الإيجابية بفضل طفرة أسعار النفط التي ساهمت في معين الأموال الاستثمارية في مجلس التعاون الخليجي الباحثة عن فرص إقليمية. كما دعمت تحويلات المغتربين أيضاً الطفرة الاستثمارية المحلية. لكن استراتيجية تشجيع الاستثمارات المفتتة التي تشتمل على جهات متعددة، فضلاً عن هيئة المناطق التنموية، لم تتمكن من الحفاظ على زخم الطفرات الواعدة.
كانت الشراكة الناجحة بين القطاعين العام والخاص لإنشاء مطار الملكة علياء الدولي نموذجاً لالتقاء تنفيذ الإصلاحات الفعال والبيئة الإقليمية المواتية وتعبئة المستثمرين. وبحلول أواخر 2008، كانت هذه العوامل قد بلغت منتهاها؛ فكان للتراجع في التدفقات الاستثمارية والمرتبط بالأزمة المالية العالمية تأثير بالغ على الاقتصاد ووضع الموازنة. وإذ اقترن ذلك بالاضطرابات في قطاع الطاقة، بلغت نقاط الضعف هذه ذروتها في أزمة وليدة في الموازنة سنة 2011، والتي كان تصحيحها محور تركيز برنامج صندوق النقد الدولي الخاص باتفاق الاستعداد الائتماني وقرض البنك الدولي لسياسات التنمية اللذين تمّا بنجاح.
لهذا الافتقار إلى الاستثمارات المستدامة ما يقابله في العيوب الهيكلية في سوق العمل، ومن ذلك تدني معدلات المشاركة في القوة العاملة ولا سيما بين النساء (حوالي 12 %)، واستمرار البطالة، والفجوة الثنائية في التوقعات/المهارات، والتقسيم العميق لسوق العمل. يشتمل هذا التقسيم على تقنين توزيع وظائف القطاع العام (بالأعداد والرواتب على حد سواء) وغياب التوافق بين المهارات والتوقعات في سوق عمل القطاع الخاص، وتدفق الأردنيين الأكثر مهارة إلى مجلس التعاون الخليجي بالتزامن مع تدفق المهاجرين الأقل مهارة إلى الأردن.
من جانب خلق فرص العمل، يعاني الأردن من متلازمة “الوسط المفقود” الملحوظة أيضاً في بلدان أخرى توجد بها كثافة ضئيلة نسبياً من الشركات متوسطة الحجم بين الشركات الصغرى والصغيرة من ناحية، والشركات الكبيرة الراسخة ذات المساهمة المحدودة في صافي فرص العمل الجديدة من ناحية أخرى. وقد أظهرت القطاعات الواعدة كتكنولوجيا المعلومات والاتصال والصناعات الدوائية والسياحة الصحية ما يمكن فعله، لكن هذه القطاعات واجهت تحديات في التوسع وهي عرضة لضغوط تنافسية مستمرة ولا سيما من داخل المنطقة.