يبدو رئيس الوزراء في موقف لا يُحسد عليه؛ فهناك انجراف كبير في شعبية الحكومة (وفق استطلاع الرأي الأخير لمركز الدراسات الاستراتيجية)، ومزاج اجتماعي سلبي ومُحبط بسبب الظروف الاقتصادية القاسية، بخاصة بعد موجة الرفع الأخيرة للضرائب والرسوم على العديد من السلع، وأخيراً تظاهرات الكرك يوم أول من أمس، ودعوات مماثلة للخروج إلى الشارع في محافظات أخرى!
في الأثناء، تواجه الحكومة أزمة متدحرجة مع مجلس النواب، وتتوتر العلاقة بين رئيسي الوزراء والمجلس. وإلى الآن، تعمل “مفاصل” الدولة على إنقاذ الرئيس وحكومته، وانحازت خلال الفترة الماضية له مقابل مجلس النواب. والسبب أنّ الرئيس كان، عملياً، ينفّذ بنود الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي، والذي وقّعته الحكومة السابقة، وهو اتفاق عابر للحكومات، وليس ذنب الحكومة الحالية!
هل يمكن إنقاذ الرئيس إذن؟ وكيف؟ أظنّ أنّ الوحيد الذي يمكن أن يجيب عن هذا السؤال هو الرئيس نفسه؛ فالدولة يمكن أن تخدم، تحمي، تعطي مصادر للقوة، لكن إذا كان الرئيس نائماً وفريقه السياسي مخدّراً، فإنّ كلفته ستكون أكبر من قدرة الدولة على احتمالها، وسيتحول وجوده مبكّراً إلى “عبء” ثقيل على كاهل الدولة، بخاصة أنّ الوضع الراهن محرج جداً، فنحن على أعتاب عقد القمة العربية في عمّان، الشهر المقبل، وأيّ نشاط في الشارع سيكون مربكاً ومزعجاً لمؤسسات الدولة.
ربما هذا يقودنا إلى المشكلة الجوهرية في وضع الحكومة، وتتمثّل في “ضعف” أدائها السياسي وإحجامها عن الاشتباك مع الرأي العام والشارع. فالمرة الوحيدة التي تحدّث فيها الرئيس عن الأسعار بصورة مباشرة كانت في برنامج “ستون دقيقة”، لكنّ ذلك لم يكن كافياً ولا مقنعاً بدرجة كبيرة للشارع، بينما الفريقان السياسي والاقتصادي أصبحا في مدرجات الجماهير، وكأنّ الأمر لا يعنيهما، فيما الرئيس يتلقى الأهداف تلو الأخرى، ويكاد يخرج من الملعب، والفريق الخصم يزداد شراسة كلما لاحظ ضعف الرئيس والحكومة!
إلى الآن، الرئيس خسر كثيراً ودفع ثمناً باهظاً، والمزاج الشعبي وصل إلى حدود الاحتقان. فإذا لم يتحرّك الفريق السياسي ويمسك بالمبادرة، ويقلب الصفحة الحالية ويقود الناس إلى مربعات جديدة، فإن النتيجة هي هزيمة ساحقة.
من الضروري أن يتم تغيير الصورة التي التصقت بالرئيس وحكومته بوصفها حكومة جباية؛ ومن الضروري أن يظهر الرئيس احتراماً أكبر وتفهّماً لمعاناة أبناء الشريحة الاجتماعية الواسعة، وأن يشعر هؤلاء بأنّ “الحكومة” ليست غائبة عنهم، ويقول لهم: “أعرف أنّكم تضررتم كثيراً ودفعتم ثمناً باهظاً، وأنّ هناك معاناة كبيرة وصلت إلى مرحلة قاسية، لكن هذه الإجراءات انتهت لهذا العام على الأقل، ولا بد أن أقدّم لكم شيئاً بديلاً عمّا أخذته منكم”، ثم يقدّم وعوداً حقيقية قابلة للتحقق.
على الرئيس أن يعيد تقديم نفسه للشارع، وإن كان الوقت متأخراً. ومن الضروري أن يتم بناء رؤية سياسية للحكومة تقوم على اجتراح أفق سياسي واقتصادي، والاشتباك مع الشارع على هذا الأساس. ويمكن القول إنّ هناك عناوين تشكّل خيطاً مهماً لهذا المشروع، من ضمنها مواجهة الفساد الإداري وتنظيف الدولة من الرشوة والفساد والمحسوبيات، وتطوير التعليم، وتحسين الخدمات، بوصفها جميعاً معالم مشروع الحكومة وبرنامجها المقبل. لكنّ الأهم أن يوقظ أحدهم الفريق الحكومي النائم بجوار الرئيس!