ثبتت بشكل قاطع، صحة المخاوف التي أبداها سياسيون واقتصاديون من أن الأردن لن يتمكن من الوفاء بتعهداته في الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي، والذي يقضي بتخفيض المديونية من 94 % إلى 73 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال ثلاث سنوات.
بالكاد تستطيع الدولة احتواء ردة الفعل الشعبية الغاضبة على حزمة الإجراءات الاقتصادية التي تبنتها هذه السنة استنادا إلى نص الاتفاق. ومن الصعوبة بمكان تمرير حزمة مماثلة في السنة المقبلة والتي تليها، في ظل ظروف سياسية وإقليمية معقدة، تجعل من المستحيل تحقيق معدلات نمو تكفي للتعويض عن النتائج السلبية للحزمة الضريبية.
اللافت أن الاتفاق الذي ورثته حكومة د. هاني الملقي موقعا من الحكومة السابقة، لم يكن يحظى بدعم مراكز القرار في الدولة؛ إذ يؤكد مطلعون أن الحكومة وقعت الاتفاق من دون التشاور مع مرجعيات رئيسة في الدولة.
وعندما تسلمت حكومة الملقي مهامها، دخلت في مناقشات ساخنة مع بعثة “الصندوق”، لشطب 91 سلعة من قائمة السلع المشمولة بالزيادة الضريبية.
لكن على الرغم من ذلك، يظل الاتفاق عصيا على التنفيذ، وقاسيا في تداعياته إلى الحد الذي يهدد تطبيقه استقرار البلاد والسلم الاجتماعي، لأنه وببساطة لم يراع المصاعب الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن أوضاع المنطقة، وتراجع قيمة المساعدات العربية للأردن إلى الصفر تقريبا، والزيادة غير الطبيعية في عدد السكان، نتيجة لتدفق ما يزيد على مليون لاجئ سوري للأردن، وتخلي المجتمع الدولي عن دعمه المطلوب للوفاء باحتياجات هؤلاء.
لم تكن تلك المتغيرات لتمر بسهولة على بلد اعتمد تاريخيا على المساعدات العربية والأجنبية، ولم يتمكن أبدا من إقرار موازنة من دون عجز. وربما تكون السنة الحالية هي الأولى في تاريخ المملكة التي لم تتلق فيها الخزينة منحا مالية من دول شقيقة.
لقد استند الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي إلى فرضيات اقتصادية غير قابلة للتحقق، لا بل إن المتغيرات السلبية للسنة المالية الحالية تشير إلى أنها فرضيات غير واقعية من أساسها.
ربما يكون بمقدور الحكومة أن تحتوي التداعيات الشعبية لقراراتها الاقتصادية هذا العام، لكنها لن تتمكن من ذلك في العام المقبل؛ فلا نمو المطلوب قابل للتحقق، ولا المساعدات العربية متوقعة، والقطاع الخاص يعاني من ظروف صعبة لا تمكنه من خلق وظائف جديدة بالقدر المطلوب، والقطاع العام متخم لا مكان فيه لموضع قدم.
المدخل الممكن لاحتواء الأزمة هو بالطلب رسميا من صندوق النقد فتح الاتفاق الموقع معه من جديد ومراجعته، وإعادة تقدير نسبه وفق قدرات البلاد الحقيقية، حتى لو تطلب الأمر تمديد فترة تطبيق خطة الإصلاحات لسنوات إضافية.
بصراحة، لا نريد أن يكون الالتزام بخطة “الصندوق” على حساب استقرار البلاد وأمنها الاجتماعي، لأن الهدف من الإصلاحات أساسا هو وضع الأردن على السكة الصحيحة، وتجاوز مأزق المديونية بتخفيضها تدريجيا والسيطرة على عجز الموازنة.
في ظل المعادلة القائمة حاليا مع “الصندوق”، لن تتحق هذه الأهداف، وقد نخسر فوق ذلك مكاسب لا يقدر “الصندوق” أو غيره أن يعوضها.