عروبة الإخباري –
أنا والمدينة
(نثرية أهديها لمدينتي الزرقاء)
أخيراً وجدتُني هنا
على دكةِ حكايةٍ
وأرصفةِ مدينةٍ تعرفُني
أقتاتُ طفولتي وصباي
كأنَّ هذهِ الأرضَ بِكرٌ
ما شقَّ بكارةَ حياءِ تُربِها
محراثُ فلاحٍ سواي
وأنا البدويُّ الساكنُ مدينةً
فيها محطةٌ لقطارٍ عثمانيٍّ عتيقٍ
علا عجلاتِهِ الصدأُ
وقدْ مرَّ ذاتَ حجيجٍ نحوَ الحجازِ
والمحطةُ رغمَ الاحتضارِ تحوطتْها الحياةُ
وسارِ فيها الإنكليزُ
ومنْ بعدِ استقلالٍ
جنودُنا العسكرُ
هناكَ حيثُ محلاتُ الخياطةِ وشارعُ الجيشِ
وذاكَ الآخرُ الأشهرُ
يهيمُ الناسُ فيهِ بحثاً عنِ السعادةِ
وأنتَ ترى بساتينَ العشاقِ على ضفافهِ
وبراعمَ المراهقين
والمدينةُ سكنَها شيشانيٌّ قديم
بنى مسجداً
يبتسمُ منْ بعيدٍ لأختهِ الكنيسةِ
ورفعَ مئذنةً
تستصرخُ في كلِّ يومٍ خمساً
عبادَ اللهِ إلى الله
وسطَ سوقٍ مليءٍ بأهلِ المدينةِ
وقليلٍ منَ العابرين
وهذهِ المدينةُ الزرقاءُ
كمريمَ عذراءَ
رغمَ وجودِ أبنائِها
طاهرةٌ وظاهرُها مومسٌ
والتعدّدُ صفةُ أعراقِ رجالِها
وهيَ تنمو
تارةً منْ فقرٍ على مهلٍ
وتارةً حينَ لجوءٍ لحنوِّها على عجلٍ
وتكبرُ وإنْ جفَّ ضرعُ نهرِها منْ عَرَقٍ
لعاملٍ جاءَ منَ الشمالِ
وثانٍ أتى منَ الجنوبِ
وثالثٍ حضرَ منْ مخيمٍ
أهلُهُ ألواحُ طينٍ
نُقشَتْ على وجهِهِ أسفارُ الحنينِ لفلسطين
وآخرَ قَدِمَ عنوةً منْ هناك
حيثُ الياسمينُ يحتضنُ الجدرانَ
وماءُ بردى يروي المارينَ سبيلَهُ في الطرقات
والحروبُ زادُها بشرٌ ماتُوا
“ومنْهمْ منْ ينتظرُ”
ومنْ سكنَ مدينتي
ومنْ تقاذفتْ حطامَ أسرتِهِ
أمواجُ الجهات
أخيراً وجدتُني هنا
أنا والمدينةُ
وكلُّ هؤلاءِ
وحدَنا…
أحمد أبو حليوة