شرّح الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه كتّاباً وإعلاميين، المشهد الإقليمي والتحدّيات الداخلية (الأردنية) والخارجية، وأطلعهم على نتائج زيارتيه روسيا والولايات المتحدة أخيرا وحيثياتهما، ولقائه بكل من الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي، دونالد ترامب، وتصوّره معالم السياسة الخارجية الأردنية في المرحلة المقبلة.
أبرز القضايا الخارجية التي تطرّق لها الملك، وأخذت قسطاً كبيراً من مناقشاته مع ترامب والكونغرس والمسؤولين الأميركيين هو ملف القضية الفلسطينية، وما يتعلق بالنية الأميركية المعلنة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، إذ وضع الملك الطرف الأميركي بصورة التداعيات السلبية الكبيرة، في العالم العربي، المترتبة على هذه الخطوة.
تمثل محور محاججة الملك في أنّ أولوية الإدارة الأميركية بمحاربة الإرهاب وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المنطقة تتناقض مع موقفها بنقل السفارة، إذ ستؤدي هذه الخطوة إلى إشعال الروح الراديكالية في المنطقة، ولدى جيل الشباب العربي المحبط، بالتوازي مع الصمت على التوسع الإسرائيلي في الاستيطان، والذي يلغي عملياً “إمكانية حل الدولتين”.
على الرغم من أنّ الملك نجح في هزّ قناعة الإدارة الجديدة بهذه الخطوة، إلّا أنّه يبدو حذراً بتفاؤله، وينتظر نتائج الزيارة الوشيكة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى البيت الأبيض، وما سينتج عنها، وقد دعاه الرئيس ترامب إلى لقاء آخر في واشنطن، غداة لقائه المنتظر بنتنياهو.
في الأثناء، يحاول الملك وضع القضية الفلسطينية على طاولة الأميركيين والمجتمع الدولي، للحيلولة دون الاستفراد الإسرائيلي بالفلسطينيين، وسيحاول الخروج من القمة العربية في مارس/ آذار المقبل في عمان بخطابٍ عربي يعزز هذا الموقف، ويدعمه في مواجهة الأخطار الكبيرة التي تواجه القضية الفلسطينية.
على صعيد آخر، يحتل الملف العراقي اهتماماً كبيراً لدى الأردن، ويبدو أن الملك متفائل بتحسين العلاقات مع الحكومة العراقية عشية القمة العربية، وتطوير خط عمان – بغداد سياسياً واقتصادياً. ويسعى الملك إلى القيام بدور فاعل إيجابي في الحوار العراقي – العراقي، من خلال علاقاته الجيدة مع الأطراف المختلفة، ويهدف إلى عقد مؤتمر للمصالحة العراقية قبل القمة العربية، وتكريس هذا الخط السياسي من خلال دعم القادة العرب. لكن الملك يدرك تماماً أنّ القضاء على “داعش” في العراق، وتحسين الوضع الداخلي، ولعب الأردن دور “التجسير” بين العراق والعرب، بعد الجفاء الواقع، رهينٌ بحل الأزمة السنية هناك، والوصول إلى تفاهمات سياسية واقعية وثابتة.
تبقى القصة السورية شاغلاً كبيراً في تفكير الملك، ويرى أن الدور الروسي يمكن أن يساعد في الوصول إلى حلول سياسية، لكن الأولوية الآن تكمن في تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار، وصولاً إلى تفاهمات أميركية – روسية أعمق حول الحل السياسي وبنوده.
وعلى الرغم من توافق الروس والإدارة الأميركية الجديدة على فكرة المناطق الآمنة، إلا أنّه يعترف بأن الوقت ما يزال مبكراً على الاسترسال في التفاؤل، فلا زلنا بحاجةٍ إلى معرفة السياسات العملية الجديدة لدى الإدارة الأميركية.
ما يهم الأردن، بدرجة رئيسة، هي المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية، وقد نجح الأردن خلال العام الأخير في تثبيت هدنة عسكرية في درعا، بالتفاهم مع الروس، ويسعى إلى تطويرها إلى “منطقة آمنة”، تقوم على تفاهمات دولية وضمانات روسية.
يتمثل الخطر رقم 1 أمنياً في المرحلة المقبلة، بالنسبة للأمن الوطني الأردني، في حدوده الشمالية الشرقية، وتحديداً بادية الشام التي تمتد من المناطق الحدودية العراقية – السورية إلى ريف دير الزور، وصولاً إلى تدمر، وشرق السويداء، نحو الجنوب ومخيم الركبان للاجئين الذي يسعى تنظيم داعش للسيطرة عليه. فمع الضغوط التي يتعرض لها “داعش” ستكون تلك المنطقة (بادية الشام) موطن نشاطه المقبل، ما يشكل تحدياً أمنياً مباشراً للأردن، سيسعى إلى التعامل معه بصورة مباشرة عسكرياً، وغير مباشرة من خلال الفصائل المسلحة القريبة من الأردن.
طاف حديث الملك على العلاقة مع الخليج وإيران وملفات إقليمية ساخنة، مثل اليمن وليبيا، ويوحي بجدول أعمال مزدحم بالتحدّيات والمتغيرات في العام الحالي للدبلوماسية الأردنية، وربما لقواته المسلحة والأجهزة الأمنية.