الهدف الرئيس لكل الإجراءات الحكومية القاسية؛ برفع أسعار سلع وخدمات، هو جباية 450 مليون دينار إضافية تساعد في ضبط عجز الموازنة والمديونية. وهو هدف لا يمكن للحكومة التخلي عنه؛ وذلك لضمان الاستجابة للمؤشرات المالية والنقدية التي حددها صندوق النقد الدولي في الاتفاق الموقع معه.
لكن ثمة أسئلة كثيرة يلزم طرحها اليوم بشأن القرارات الحكومية ونتائجها. وأهم هذه الأسئلة التي ستظهر الإجابة عنها بمرور الوقت، هو إذا ما كانت الخطوات المتخذة ستساعد في تحقيق معدل النمو المستهدف، والبالغ 3.2 %.
يلي ذلك سؤال: هل ستتمكن الحكومة، في ظل كل هذه الإجراءات الصعبة، من الوفاء بتعهداتها تقليل معدلات الفقر؟ ولا سيما أنها تعلم مسبقا النتائج الكارثية لهذه الإجراءات على الفقراء، فكان أن قررت إزاء ذلك زيادة مخصصات المعونة الوطنية بمقدار 15 مليون دينار.
ثم، كيف تكفل الحكومة تقليص معدلات البطالة في ظل التوقيت غير المناسب لزيادة الحد الأدنى للأجور؟ إذ تشير أبسط القواعد إلى أن هكذا قرار طالما صبّ في تقليص فرص العمل المتاحة، تحديدا في خضم حالة انكماش اقتصادي كالتي يعاني منها الاقتصاد الأردني بشكل كبير حالياً.
فمجمل القرارات الحكومة ستُضعف، بلا أدنى شك، النشاطين التجاري والخدمي؛ إذ ستزيد الكلف التشغيلية، كما ستكون لها آثار سلبية نتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للمواطن وبطء النشاط الاقتصادي، وصولاً بالنتيجة إلى انخفاض عدد فرص العمل المتاحة للعمالة الوطنية.
وفي هذا السياق، هل درست الحكومة تبعات زيادة الأعباء المفروضة على التاجر والمستهلك؛ برفعها الضريبة العامة والضريبة الخاصة على المبيعات، كما فرض رسوم إضافية بدل الخدمات الجمركية على البضائع المستوردة والخاضعة لرسوم التعرفة الجمركية، مع دور ذلك كله في تآكل الطبقة الوسطى خصوصا، كون هذه الخطوات تأتي على حساب المستهلك الذي يعاني من محدودية الدخل وضعف قدرته الشرائية؟
أيضاً، في ظل التشدّق بالتوجه نحو الاقتصاد الرقمي والتنمية المبنية على التكنولوجيا، كيف ينسجم ذلك مع مضاعفة الضريبة على الإنترنت، وزيادة الضريبة على قطاع الاتصالات عموماً؟! وهل درست الحكومة قدرة القطاع على تحمل فرض مزيد من الرسوم والضرائب على استخدام الاتصالات والإنترنت؟ هل استمعت إلى تحذيرات المسؤولين عن “الاتصالات”، والتي تؤكد أن استمرار الضغط على قطاع مثقل بالضرائب أصلا سيوصله إلى حافة الانهيار؟
القصة الأخرى وثيقة الصلة، والتي يثور بشأنها أيضا عدد من الأسئلة، تتعلق بظاهرة التهريب والتهرب الضريبي التي تعجز الحكومة عن السيطرة عليها، بل ويتسع مداها وفرصها الآن، كونها ترتبط بعلاقة عضوية طردية مع فرض أي رسوم أو بدلات جمركية جديدة! فهل درست الحكومة هذه المسألة جيدا، وتوصلت إلى قناعة بأن قراراتها لن توسّع مدى التهريب والتهرب؟
بناء على كل ما سبق، يغدو السؤال المركزي، والمرتبط بالهدف الأساس من القرارات الحكومية، هو: هل ستحصّل الحكومة مبلغ الـ450 مليون دينار، وتتمكن بالتالي من تحقيق أهداف برنامج صندوق النقد الدولي؟ بعبارة أخرى، والأخطر في الواقع: كيف ستضمن الحكومة، في ظل كل ما سبق، أن لا تتراجع إيرادات الخزينة بشكل ملحوظ، على النقيض من المستهدف؟
إن كانت الحكومة تضمن، بعد كل قراراتها الصعبة، أن لا تزيد من معدلات الفقر وبالبطالة؛ وأن لا تقترب من حصن الطبقة الوسطى؛ وأن تحقق النمو المطلوب، وبالتالي تخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما الالتزام بحدود عجز الموازنة المتفق عليه مع “الصندوق”، فإنها ستكون حكومة ناجحة واستثنائية، بلا أي شك.