بعد التغييرات الأخيرة التي طالت مواقع وزارية وأمنية، ثمة شعور لدى الملك بالارتياح لمستوى التنسيق بين “مفاتيح” الدولة الذين يجتمعون أسبوعيا برئاسة جلالته، لمناقشة القضايا المطروحة، وتنسيق الخطوات فيما بين المؤسسات المعنية.
في وقت أسبق، ظهرت بعض الثغرات في آلية التنسيق بين المؤسسات والأجهزة المعنية، وتجلت في مفاصل عديدة، لعل أهمها ما حصل في عملية الكرك الإرهابية.
كما برزت إلى السطح خلافات بين أركان بارزين في مؤسسات الدولة، إضافة إلى حالة من عدم التناغم بين بعض وزراء حكومة د. هاني الملقي، اشتكى منها الرئيس شخصيا، ما استوجب إجراء تعديل وزاري، طال حقائب سيادية.
التباين في الآراء والاجتهاد هو أمر مألوف في مؤسسات صنع القرار في جميع الدول، حتى تلك التي تحكمها أحزاب سياسية. وفي الأردن تحديدا، يشهد تاريخ الحياة السياسية على خلافات لا تنتهي بين رجال الحكم، يعود جزء منها لحساسيات بين دوائر القرار، وفي أحيان أخرى لاعتبارات شخصية بحتة.
على كل المستويات؛ العسكرية والأمنية والسياسية، تم مؤخرا إغلاق كل الثغرات، وتفعيل عمل غرف العمليات المشتركة، وتنشيط خطوط الاتصال بين المستويين الحكومي والأمني. وطالت المراجعة أيضا غرفة عمليات الإعلام الرسمي التي خضعت هي الأخرى لآلية عمل جديدة، لضمان انسياب المعلومات بين أجهزة الدولة، وصياغة رسالة إعلامية موحدة في مختلف الظروف.
“مجلس السياسات” أصبح هو الحاضنة الرئيسة لمناقشة سياسات الدولة، على مختلف المستويات، ومصنع القرارات الاستراتيجية. لكن ما يزال الوضع كما كان من قبل؛ قضايا الدفاع والسياسة الخارجية يتولى الملك شخصيا الإشراف عليها وتوجيه إداراتها، على النحو الذي يخدم مصالح الدولة العليا.
في المقابل، تتولى الحكومة إدارة الملفات الداخلية؛ اقتصاد وخدمات وأمن داخلي، وكل ما يتصل بشؤون المواطنين، وإدارة العلاقة مع القطاع الخاص.
المسؤولون اليوم، وعلى مختلف المستويات “العليا”، اكثر انسجاما من قبل. رئيس الوزراء وحكومته يتمتعان بدعم كامل من مؤسسات القرار الأخرى، خاصة مؤسسة الديوان الملكي ومؤسسة الأمن.
الصيغة التي تم تبنيها، في السنوات الأخيرة، وعمادها حكومة ومجلس نواب لأربع سنوات مستمرة؛ فما يزال صاحب القرار على قناعة بأن استقرار السلطتين التنفيذية والتشريعية، هو الضامن لتحقيق الأهداف الإصلاحية على جميع المسارات.
وفي هذا الإطار، يولي الملك أهمية خاصة للعلاقة التشاركية بين الحكومة ومجلس النواب، ويؤمن بضرورة تفعيلها في كل الأوقات.
لا يخلو الأمر من إشكاليات تظهر بين الحين والآخر، وتؤثر سلبا على أداء المؤسسات. لكن الآلية القائمة تنجح في معظم الظروف في تصحيح المسار، ومعالجة الثغرات.
التحدي الأكبر في هذه المرحلة هو في قدرة الحكومة على إدارة الوضع الاقتصادي بما ينطوي عليه من صعوبات غير مسبوقة، وعبور العام الحالي بأقل قدر من الخسائر والأكلاف المترتبة على القرارات المتعلقة بزيادة الضرائب.
وهذا يتطلب وفق تقديرات رسمية، حلولا إبداعية، وديناميكية عالية لتنشيط دورة الاقتصاد، وجذب استثمارات مولدة لفرص العمل، واقتحام أسواق جديدة وبديلة لأسواق الجوار العربي والإقليمي التي ما تزال مغلقة في وجه صادراتنا. وفي الوقت نفسه انتهاج سياسات حاسمة ضد الفساد، والالتزام بسيادة القانون على الجميع من دون استثناء.