في حوار امتد لأكثر من ساعتين، مع كتاب صحفيين وإعلاميين، عرض الملك عبدالله الثاني، بإسهاب، آخر التطورات السياسية والعسكرية لملفات المنطقة وأزماتها، وخلاصات جولته التي شملت عواصم القرار الدولي؛ موسكو ولندن وواشنطن. وفتح في الحوار نافذة واسعة على الأوضاع الداخلية في المملكة على الصعيدين الاقتصادي والأمني.
يلم الملك بالتفاصيل بصورة عجيبة؛ ما كان شاهدا عليها أو تلك التي تخصّ عمل السلطات والمؤسسات في الدولة. في الشأن الإقليمي وتطوراته العسكرية والأمنية، يبدو الملك كقائد عمليات في الميدان، يحفظ عن ظهر قلب الجغرافيا السورية والعراقية والليبية، ويرسم خطوط الصراع بين القوى المتحاربة كما لو أنه يقرأ من خريطة.
لا يكتفي بعرض تفاصيل ما دار من محادثات بينه وبين زعماء الدول التي زارها، أو تلك التي يتواصل معها بوسائل مختلفة، وإنما يقدم أيضاً، بتركيز عال، خلاصة استنتاجاته وتقديراته لما ستتخذه هذه القيادات من مواقف حيال مختلف القضايا.
بعكس تقديرات سائدة حيال الإدارة الأميركية الجديدة، يشعر الملك أن الرئيس دونالد ترامب هو رجل صاحب قرار، وسيكون لإدارته دور حاسم في قضايا المنطقة. جلالته في غاية الاطمئنان إلى مصالح الأردن مع الإدارة الجديدة في واشنطن. سلسلة اللقاءات والاجتماعات التي أجراها مع متخذي القرار في الحكومة والكونغرس، كانت كافية للقول إن إدارة ترامب ومؤسسات التشريع في أميركا متوافقة تماما على أهمية الدور الأردني في المنطقة، وضرورة دعمه، كركن أساسي لاستقرار وأمن الإقليم.
الملك على قناعة أنها إدارة مختلفة عن سابقاتها، وهذا ما سيجعلها قادرة على إحداث الفرق.
العلاقة الوثيقة مع موسكو، أصبحت في قاموس جلالته ثابتا من ثوابت السياسة الخارجية للمملكة. موسكو كانت حريصة على وضع الأردن بصورة أفكارها ورؤيتها لطريقة معالجة الأزمة في سورية، وحريصة أيضا على مشاركة الأردن في العملية الجارية على المستويين السياسي والعسكري.
وثمة شعور لدى عديد الأطراف أن سياسة الأردن المتوازنة في الأزمة السورية، صارت تؤهله اليوم للعب دور مهم في التجسير بين مواقف القوى الدولية المعنية بالصراع.
بقدر ما الأردن مهتم بوضع نهاية للمأساة في سورية، ودحر الجماعات الإرهابية، يعطي الملك في مباحثاته مع المسؤولين الروس والأميركيين، أهمية قصوى لتأمين الجبهة الجنوبية في سورية، لضمان أمن الأردن، ومنع الجماعات الإرهابية من الاقتراب من حدوده، وتثبيت وقف إطلاق النار، في الوقت الذي يبدي فيه انفتاح الأردن على مناقشة فكرة المناطق الآمنة في ما يعرف ببادية الشام التي تعد منطقة العمليات الرئيسة بالنسبة للأردن، إذا ما كان هذا الخيار سيساهم في تخفيف معاناة السوريين، وتأمين عودة متدرجة للاجئين، وحماية المصالح الأمنية العليا للأردن.
ومع نهاية شهر شباط (فبراير) الحالي، سيكون هناك ما يمكن وصفه بتصور مشترك للعمل في المنطقة الجنوبية من سورية، لكل من روسيا ودول التحالف بما فيها الأردن طبعا.
على خريطة العمليات الملكية، تظهر القضية الفلسطينية عند كل منعرج. كانت حاضرة بقوة على طاولة الاجتماعات في واشنطن، وكذلك في موسكو.
الأشهر المقبلة ستحمل تطورات مهمة على هذا الصعيد؛ فقد تأكد لجلالته أن إدارة ترامب معنية بتقديم حل لصراع هو بتعريف الملك الصراع الجوهري في الشرق الأوسط، ومن دون التوصل إلى حل عادل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، فإنه لا أمل بنهاية قريبة لمتاعب المنطقة.
بعد أسابيع قليلة، وقبيل انعقاد القمة العربية في الأردن، سيعود الملك إلى واشنطن، لعقد سلسلة من الاجتماعات الحاسمة والمهمة مع أركان الإدارة هناك، وعلى أجندة الزيارة قمة موسعة تجمع الملك بالرئيس الأميركي، كان الأخير قد أكد لجلالته ضرورة عقدها في أقرب وقت ممكن.