تحيط بنا هذه الأيام أجواء الإجازة وما تحمل معها من فوضى وارتباكات في الوقت والنظام والبرامج والنوم.
ويعتبر النوم بطل الإجازات وعمودها الرئيس، فبعضنا يراه خير برنامج يمارسه فيها، وبعضنا يراها نقمة عليه، لأنه يفسد «برمجة» النوم عنده وعند صغاره تحديداً.
وفي المقابل، تشير إحصاءات حديثة إلى أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص يعاني من الأرق، أي لا يستطيع النوم مباشرة، أو لا ينام بصورة متواصلة، وهو ما ينعكس سلباً على قدرة هؤلاء الأشخاص على القيام بعملهم وحياتهم بصورة جيدة.
وتقدر الخسائر الناجمة عن ذلك ببليونات الريالات سنوياً، بسبب اتخاذ هؤلاء الأشخاص قرارات خاطئة، أو تسببهم في وقوع حوادث، أو غيابهم عن العمل، وإذا كان هذا الأرق مزمناً فإنه يؤدي إلى أخطار صحية كبيرة، مثل الإصابة بنوبات من الهلع والخوف، وزيادة الوزن، وارتفاع ضغط الدم، والسكر، والخرف، وأمراض القلب والأزمات القلبية.
وعلى رغم تفشي هذا الداء، فإنه مازال يمثل لغزاً، لم يتمكن الأطباء والعلماء من سبر أغواره بعد، وهناك فرع من الطب متخصص في درس النوم، بدأ منذ سبعينات القرن الماضي، وخصصت له معامل لمراقبة الشخص الذي يعاني من الأرق، لمحاولة اكتشاف أسباب ذلك، وتشخيص الحالة بدقة، لأن للأرق أسباباً كثيرة، وإلى جانب المعاناة من قلة النوم، هناك من يعاني من نوبات طول النوم قد تستمر أياماً، وهناك من يعاني من السير أثناء النوم، لذلك فإن هؤلاء الأشخاص يدخلون هذه المعامل، وتوضع مجسات على المخ والصدر والساقين، لقياس تيارات المخ، والتنفس في الفم والأنف، وحركة العينين، وتوتر العضلات، وعمل القلب، وحركة الساقين، كما يرتدون أحزمة على البطن والصدر لمراقبة التنفس، ويجري تركيب ميكرفونات على الرقبة لتسجيل الشخير، وخلايا ضوئية على الإصبع لقياس الأكسجين في الدم، ويجلس الطبيب عن بعد لمراقبة ما يراه على شاشات الحاسب، الذي يبين نتائج القياس، ويتابع ما يحدث في المخ عند الانتقال من مرحلة نوم إلى أخرى أعمق، ثم العودة إلى المرحلة الأولى، والتي قد تؤدي إلى اليقظة ثواني قليلة من دون أن يفيق الشخص تماماً، وعندها تصبح حركة الجفون مضطربة، ويرتبط ذلك بالأحلام والمشاعر التي يقوم المخ بمعالجتها.
ومن السذاجة الاعتقاد بأن النوم مضيعة للوقت، بل هو مصدر الحياة للجسم، يسترد فيه عافيته، ويقوم بإصلاح أي اضطرابات في جهاز المناعة، ويقوم المخ بترتيب محتوياته، علماً بأن كثيراً من مسببات الأرق ليست عضوية، أي لا علاقة لها بآلام أو متاعب جسدية، بل يكون سببها نفسياً، مثل التوتر الذي يتملك الإنسان بسبب الخوف من الاختبار في اليوم التالي، أو انتظار قدوم المولود، أو الخوف من فقدان الوظيفة، أو بسبب الطلاق، أو الإقبال على الزواج، أو إجراء جراحة.
وطالما كانت أسباب القلق موقتة فيمكن أن يعود الإنسان بعدها إلى النوم العميق، لكن الشعور بالخوف من قلة النوم، يتسبب نفسه في حدوث الأرق، وتشير الإحصاءات إلى أن النساء أكثر ضحايا الأرق، وكذلك يعاني الشخص مرهف الحس، وكذلك الشخص الذي يبالغ في النظام والدقة، من هذه الآفة.
ومشكلة الكثيرين أنهم إذا دخلوا السرير، بدؤوا التفكير في كل ما حدث في اليوم وما سيحدث في الغد، وبدلاً من تجاهل الأمر، والتعامل معه باستخفاف، يبدؤون في تحليل كل شيء، وتناول كل تفاصيله.
ونظراً إلى أن الجسم يتوقف في الليل عن إنتاج هرمون السعادة (سيروتونين)، فإن كل المشكلات تبدو أعقد بكثير مما كانت عليه أثناء النهار، لذلك ينصح الأطباء بعدم التفكير في القضايا المعقدة في الليل، وعلى رغم تأكيد أهمية الاستيقاظ مبكراً، فإن حصول الجسم على العدد الكافي من الساعات مهم للغاية، ويجب أن يستجيب الإنسان إلى جسده في الليل حين يطلب منه أن يستريح، وأن يواصل العمل في اليوم التالي.
ومهما كانت نشرات الأخبار مثيرة، فإنه لا ينبغي أن يبقى الإنسان بجانب جهاز التلفزيون أو الحاسب أو الهاتف الذكي، ليعرف التطورات أولاً بأول، لأن جسده لن يتحمل هذا التوتر المستمر، وحبذا لو أمكن حظر دخول هذه الأجهزة إلى غرفة النوم، وإغلاق الهاتف بعد الـ10 مساء، لكي يعود الليل ليلاً، والنهار نهاراً، فمن يبدل إيقاع اليوم، ويعمل في الليل وينام في النهار، يدمر صحته إذا استمر على ذلك المنوال طويلاً.
وخلاصة القول، إن في النوم صحة أو مرضاً!
فليتنا ندرك ذلك ونستجيب لنداءاته متى ما هتف بها لنا، ولا نسمح للإجازة أو القلق أو أي ظرف آخر أن تجعلنا في خصام معه، كي ننعم بصحة أفضل ومزاج أكثر لطفاً.