نحن أقرب ما نكون إلى نهاية العالم من أي وقت منذ أكثر من نصف قرن. هذا ما يقوله علماء نوويون في شيكاغو يشرفون على ما يسمونها ساعة «يوم القيامة»، ويقدّمون عقاربها من منتصف الليل، بمقدار ما يعتبرون أن العالم يقترب من لحظة الخطر. فقدد حددوا منتصف الليل موعداً افتراضياً ليكون بمثابة الإنذار بالخطر المحدق بالبشرية والذي لا تراجع بعده. ويعتبر العلماء أن الكارثة تبتعد عن البشرية بمقدار ما تبتعد عقارب موعد منتصف الليل عن الالتقاء. وهكذا قرروا أننا الآن على بعد دقيقتين و30 ثانية عن ذلك الموعد، أي أن الخطر أكبر مما كان منذ عام 1953، أي منذ 64 عاماً، عندما كانت المرة الأخيرة التي اقترب فيها العالم من هذه اللحظة التعيسة والخطرة، وكان سباق التسلح النووي على أشده آنذاك بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. أما الفترة الأقل خطراً، فكانت عام 1991، مع نهاية الحرب الباردة. عندها تراجعت عقارب الساعة عن موعد الكارثة (منتصف الليل) أكثر من عشرين دقيقة.
نحن لا نتحدث هنا عن توقعات أبراج أو قراءة في حركات النجوم. العلماء النوويون الذين يصدرون نشرة «علماء الذرة» ومقرها في شيكاغو، بنوا توقعاتهم على أسس موضوعية، من بينها الآن صعود المشاعر القومية والشوفينية حول العالم، وفشل الدول الكبرى في الحد من أسلحتها النووية، وإقدامها -على العكس- على تعزيز سباق التسلح بينها، وفوق كل ذلك الخطر الذي يشكله وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، فقد قال لورانس كراوس مدير النشرة في مؤتمر صحافي عقده في واشنطن يوم الخميس الماضي، إن ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحملان نصيباً كبيراً من اللوم على اقتراب العالم من لحظة الخطر.
استشهدت نشرة «علماء الذرة» في تحذيرها بعدم الاستقرار النووي، وبخاصة مع سعي الولايات المتحدة وروسيا لتحديث ترسانتيهما النوويتين وخلافهما المستمر حيال أزمات دولية، أهمها الآن ما يجري في سورية وأوكرانيا، فضلاً عن إشارات ترامب خلال الحملة الرئاسية إلى عدم ممانعته في توسيع انتشار التسلح النووي الأميركي، واحتمال حصول اليابان وكوريا الجنوبية على هذه الأسلحة في مواجهة كوريا الشمالية. إضافة إلى شكوكه في مستقبل الاتفاق النووي مع إيران. وأضافت النشرة أن دعم الصين لباكستان في مجال الأسلحة النووية، إضافة إلى توسع ترسانتي الهند وباكستان النوويتين من العوامل المقلقة أيضاً.
لقد تابعنا جميعاً القلق الذي ظهر خلال حملة الرئاسة الأميركية من احتمال وصول الزر النووي إلى يد دونالد ترامب. وكررت منافسته هيلاري كلينتون في مناظراتهما أن الرجل المولع بمفاتيح الكومبيوتر والهاتف الجوال والذي يثور غاضباً من أي تعليق فيلجأ إلى «تويتر» لإطلاق تغريداته وشتائمه، ليس مضموناً أن يكون أكثر حرصاً عندما يصل الزر النووي إلى يده. وزاد من القلق ما أعلنه ترامب على «تويتر» في 22 من الشهر الماضي من أن على الولايات المتحدة أن تعمل على تقوية وتوسيع قدراتها النووية إلى أن يصل العالم إلى طريقة متعقلة لمعالجة هذا الموضوع، كما قال.
«العالم بحاجة إلى قادة يتحلّون بالحكمة وببرودة الأعصاب ليستطيعوا تهدئة الأزمات بدل إشعال النار، بشكل يهدد بدفع العالم إلى الحرب، سواء من طريق الخطأ او نتيجة سوء التقدير». هذا ما تقوله راتشيل برونسون، المسؤولة عن نشر المجلة النووية التي حذرت العالم من اقتراب الكارثة. وإذ تتخوف برونسون مما تحمله رئاسة ترامب من أخطار، تضيف أنه على رغم أنه لم يمضِ سوى أسبوع في البيت الأبيض، فإن تصريحاته المتهورة، وعدم استماعه إلى أصحاب الخبرة، والتعيينات المثيرة للشكوك في المناصب الأساسية في إدارته، كلها تجعل الأمن العالمي أكثر سوءاً وخطراً.