لا يقتصر القلق من سياسات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب على دول عربية، فالواضح أن الرجل الذي رفع شعار «أميركا أولاً» سيدخل في صدامات مع دول أخرى، بينها دول غربية متحالفة مع بلاده، لأسباب مختلفة، غالبيتها يتعلق بأمور الاقتصاد والمنافسات التجارية، لكن العلاقات بين الدول، والصراعات بينها أيضاً، تخضع لحسابات المصالح. وعلى رغم ذلك فإن شظايا ترامب التي قد تصيب بعض أصدقاء أميركا القدامى، أو حتى أعداءها، ستتأثر حتماً بالأوراق التي يملكها كل طرف ليتفادى أن تطاوله أضرار اندفاعات الرجل أو جرأته أو حدته أو أفكاره اليمينية أو غياب خبراته السياسية.
الحال مختلفة تماماً بالنسبة الى جماعات ترفع شعار الإسلام وتمارس العنف أو تُحرّض عليه أو تهيئ المناخ لاستفحاله، فالرئيس الأميركي الجديد أعلنها صريحة وواضحة ومباشرة في خطاب التنصيب: «سأمحو الإرهاب الإسلامي». هنا تختلف المسألة، إذ لا يبدو أن هناك مجالاً للمفاوضات والاتفاقات والمواءمات، فمحاربة التطرف والإرهاب بالنسبة الى ترامب ضمن الأولويات على أجندته السياسية وليست مجرد سياسة سيتبعها لتحقيق مصالح بلاده. حرب ترامب المتوقعة ضد الجماعات المتأسلمة ترجمة لقناعات فكرية يؤمن بها ولا يرى وسائل بديلة عنها. هو لا يفرق بين تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة»، أو بين تنظيم «القاعدة» وجماعة «الإخوان المسلمين»، وإنما يضع كل تلك الجماعات وغيرها في سلة واحدة. هنا أيضاً لا يمكن المقارنة بين مفردات ترامب وقناعاته وبين سلوك الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وإن كان الاثنان ينتميان إلى الحزب الجمهوري، فبوش الابن حينما رفع شعار «من ليس معنا فهو ضدنا» لدى شنه الحرب على الإرهاب وقام بغزو أفغانستان كان يسعى إلى رد الاعتبار وليس تطبيق أفكار. أدت حرب بوش في النهاية إلى استفحال العمليات الإرهابية وخروج الإرهابيين من أفغانستان وتوزُّعهم على بلدان أخرى وتحويل جماعات وتنظيمات إسلامية محلية في دول عدة إلى فروع لتنظيم «القاعدة»، ثم أتت الطامة الكبرى على العالم بالغزو الأميركي للعراق الذي أنتج «داعش» ودولته لتتحول الظاهرة الإرهابية من مجرد تنظيمات وجماعات تسعى إلى إسقاط أنظمة الحكم في دولها إلى ولايات متناثرة متباعدة تسعى إلى التوحد تحت راية ذلك التنظيم الذي نجح في عهد أوباما في تطوير آلياته ليتسرطن من دون أن يتمكن أي علاج من القضاء عليه حتى الآن. في كلام ترامب الكثير من الانتقادات للسياسات الأميركية في الخارج، خصوصاً ما يتعلق بأساليب مواجهة الإرهاب، سواء في عهد بوش الابن أو باراك أوباما، فكيف سيعالج أخطاء أوباما؟ وما هي أساليبه المبتكرة في محاربة «داعش» الذي صار إرهاب «القاعدة» بالنسبة إلى فظائعه مجرد «إرهاب وسطي»؟ المهمة شاقة أيضاً بالنسبة إلى مواجهة «الإخوان المسلمين»، تلك الجماعة التي تذوقت حلاوة الحكم في مصر ودول أخرى وتبين أنها نجحت في التأثير بدول غربية، ناهيك عن تغلغلها في مفاصل المجتمع الأميركي ذاته.
طبيعي أن يسعى «داعش» إلى إظهار «العين الحمراء» لساكن البيت الأبيض الجديد من طريق عمليات تستهدف المصالح الأميركية في العالم، أما «الإخوان» الذين نشطت وسائل إعلامهم والقنوات الداعمة لتنظيمهم في الاحتفاء بمظاهر احتجاج بعض الأميركيين على تنصيب ترامب فحالهم أسوأ، لأن الجماعة اعتادت على أن يكون لها حضور بارز وظهور لافت في الأوساط السياسية الغربية طوال عهد أوباما، وبقيت زيارات رموزها إلى البيت الأبيض ومؤسسات أميركية أخرى بعد إطاحة حكم «الإخوان» في مصر سلوكاً اعتيادياً يتم الاحتفاء به والترويج له.
تنظيم «داعش» يتهاوى في العراق وسورية، ويحتاج إلى بعض الوقت حتى يدخل مرحلة الموت الإكلينيكي، وربما يصلها في عهد ترامب، أما «الإخوان» الذين يعانون آثار هزيمة كبرى في مصر وفقدوا برحيل إدارة أوباما ظهيراً مهماً ظل على مدى ثماني سنوات مقتنعاً بضرورة وجودهم ومشاركتهم الحكم في بعض الدول العربية، فمعركة ترامب معهم ستكون طويلة وشاقة ستتحالف فيها مع أميركا دول أخرى ترغب في تقادي غضب ترامب وكسب وده.