غريب هذا الرئيس الأميركي الجديد الذي يشن حملة على صحافة بلده من مركز وكالة الاستخبارات الأميركية. وصف دونالد ترامب الصحافة بأنها كاذبة لأنها أعطت تقديراً صحيحاً لعدد حاضري حفلة تنصيبه، فكتبت أن حوالى ٢٠٠ ألف شخص حضروا، ولكن، وفق تقديره كان هنالك أكثر من مليون ونصف المليون في حفلة التنصيب، ثم انتقد التلفزيونات التي عرضت أماكن فارغة في الحفلة. وقد تجاهل كلياً تظاهرات النساء ضده في أميركا والعالم، وأكثر من مليون تظاهروا في الولايات المتحدة للاحتجاج على قلة احترام ترامب للنساء.
أظهر ترامب في اليوم الأول من ولايته غطرسة إزاء من لا يشاركه رأيه كأنه ديكتاتور وليس رئيساً لأكبر ديموقراطية في العالم. أما ناطقه الرسمي شون سبانسر فأدلى بتصريح ينعت تقرير الصحافة بالكذب حول عدد الحاضرين في حفلة تنصيب رئيسه، ولم يسمح بأسئلة وظهر كمعلمه بعيداً كل البعد عن وظيفة الناطق الرسمي الذي يلطّف تقليدياً كلام الرئيس. إن أسلوب ترامب وكلامه وتعامله مع النساء كأداة زينة أثارت غضب نساء أميركا والعالم، ورئاسة ترامب مثل حملته بدأت بالمشاكل الداخلية مع الإعلام والنساء ومع الذين صوّتوا ضده وهم ملايين. وتساءل أحد الإعلاميين الأميركيين كيف ستكون ردة فعل نظرائه في العالم الذين يسمعونه في اليوم الأول يختلف مع الصحافة حول عدد حضور حفلة تنصيبه وما إذا كانوا سيضحكون على رئيس الولايات المتحدة لانشغاله بهذا الأمر التافه.
مظهر ترامب وتصرفاته مع منتقديه مقلقان نسبة لوزن الولايات المتحدة في العالم، فمحيطه المباشر مكوّن من أثرياء فنادق وكازينويات لاس فيغاس وليس أثرياء غوغل أو رجال العلم والثقافة. أما وزراؤه في الخارجية والدفاع والمالية فيتساءل المراقب عما إذا كانوا سيستمرون في إدارة الأمور في رئاسته، لأن كفاءة هؤلاء تطرح السؤال حول كيفية استمرارهم في نظام يرأسه رجل يظهر سطحية وشعبوية متنكّرة بوعود من أجل الشعب والفقراء.
كان ترامب يخاطب الأميركيين بعد تأديته القسم كأن كل الرؤساء الذين سبقوه دمّروا أميركا وحوّلوها جحيماً، فوعد بـ «بترميم أميركا». ماذا يعني «ترميم» بلد سبّاق بالعلم والإبداع والأبحاث وقوة عظمى تهيمن على العالم؟ ترامب أوحى في خطابه الأول بأنه يتولى رئاسة بلد متخلّف يريد ترميمه. وهو يقول «جئت أنقل إدارة البلد من واشنطن إلى الشعب الأميركي». وعود حملة انتخابية غير واقعية من رئيس يتسلّم منصبه، وكيف يعيد السلطة للشعب وأكثر من مليون متظاهر في شوارع أميركا ضده.
انتخاب ترامب كان أعجوبة ورئاسته مقلقة وتعامله مع الأوروبيين غير مطمئن. يبدأ باستقبال رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي ليطمئنها إلى أن الولايات المتحدة ستعمل على اتفاقية تبادل تجاري مع بريطانيا لتعويض خسارات خروجها من الاتحاد الأوروبي. أما قوله إنه سيفرض ضرائب على الشركات الأميركية التي تريد التصنيع خارج البلد وضرائب باهظة على الصناعات الخارجية في البلد فيمثّل نوعاً من عزلة غير متناسبة مع ترابط العالم اليوم. بداية رئاسة ترامب مقلقة للعالم لأنها تطرح أسئلة كثيرة، أولها إلى أين يأخذ العالم بمنطقه وأسلوبه. وما يقلق أيضاً إحاطته أكثر من أسلافه بممولين للدولة العبرية، فأحد أكبر مموّلي حملته هو ستيفن ادلسون الذي دفع ١٢٠ مليون دولار وهو أقرب المقرّبين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. كما أن الرجل القوي في إطار ترامب هو صهره ياريد كوشنير اليهودي الملتزم بإسرائيل، فضلاً عن صديقه دافيد فريدمان الذي اعتمده سفيراً في إسرائيل، هو المدافع عن المستوطنات… ويظهر أن وعد ترامب بنقل سفارة أميركا في إسرائيل إلى القدس أمر جدي. وفي الأيام القادمة قد تحدُث أمور خطيرة يطلقها ترامب في بداية عهده.