من الخطأ انتظار موعد القمّة العربية في نهاية آذار (مارس) المقبل، لمحاولة تسجيل موقف عربي ضد أي خطوة ستقوم بها الإدارة الأميركية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس؛ إذ لا توجد ضمانات بأنّ مثل هذا القرار قد ينتظر إلى القمة، ومن المفترض أن نبدأ التحضير منذ الآن لمواجهة مثل هذا القرار الخطير.
عبر عملية “جسّ نبض” فريق ترامب الجديد، تأكّد للأردن أنّ القرار حتمي وليس محتملاً، ولا توجد هناك نيّة للتحايل عليه من قبل طاقم الرئيس، وربما سيسعون إلى تطبيقه في أقرب فرصة ممكنة. ومن الواضح أنّ التحذيرات الأردنية وتوضيح خطورة مثل هذه الخطوة إقليمياً، لم تلق آذاناً صاغية لدى الإدارة الجديدة، فما العمل إذن؟!
الطرف الأميركي يحاول التفكير في سيناريوهات إخراج مثل هذه الخطوة الكارثية. وهكذا يعمل طاقم وزارة الخارجية على وضع بدائل واقتراحات، مثل نقل السفارة إلى القدس الغربية؛ أو تطوير المكتب الموجود في القدس ليصبح جزءاً من السفارة، وتقسيم دوام السفير إلى أيام في القدس وأخرى في تل أبيب. لكنّها محاولات غير مقنعة للرأي العام العربي أولاً. وثانياً، ليس هناك ما يؤكّد أنّ الرئيس الجديد سيأخذ بها!
في ضوء هذه الوقائع والحيثيات، ولأنّ للأردن مسؤوليات رمزية وسياسية وأخلاقية تجاه القدس، وفي ظل حالة الفراغ العربي القائمة حالياً، وضعف السلطة الفلسطينية بصورة ملموسة، فما هو العمل؟ وماذا يمكننا أن نفعل؟
أهم ما يمكننا فعله هو ألا نظهر، أردنياً، وكأنّنا أكلنا صفعة على الوجه، وتفاجأنا بالقرار الأميركي غداً؛ أو كأنّنا تخاذلنا وتخلينا عن مسؤولياتنا الدبلوماسية (وهو ما نملكه) من الإعداد والتحضير لمثل هذا القرار وبيان خطورته على الأمن الإقليمي، فضلاً عن منافاته الاتفاقات الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
من هنا، أحسب أنّ المطلوب منّا إعلان ما يشبه حالة “الطوارئ” دبلوماسياً؛ بقرع جرس الخطر من الآن، وتوجيه رسائل فوراً إلى الحكومات العربية والمسلمة وللدول الأوروبية، نضعها فيها أمام مخاطر مثل هذا القرار على المديين القصير والبعيد. كما أن نبذل مجهوداً دبلوماسياً وإعلامياً واضحاً وملموساً للجميع في مواجهة مثل هذه الخطوة.
تنبيه الرأي العام الأردني والعربي والإسلامي والعالمي لمثل هذه الخطوة وبيان خطورتها، أمر مهم. مطالبة الحكومات العربية بموقف دبلوماسي -في الحدّ الأدنى- أمر مهم أيضاً. فالقرار الأميركي ليس منفصلاً عن سياق خطر، بدأ بالتدريج في عملية تهويد المدينة المقدسة بالكلية، والتعدّي على المقدسات الإسلامية فيها، والخشية أن تصل حماقة اليمين الإسرائيلي المدعوم من اليمين الأميركي القادم في الإدارة الجديدة إلى خطوات أكثر حساسية وخطورة من الناحية الرمزية، ما يعني إشعال المنطقة العربية والمسلمة.
بصراحةٍ شديدة، وبوضوح؛ يجب إعلان الطوارئ الدبلوماسية لعدم تحميل الأردن غداً مسؤولية التهاون والتراخي في الوقوف ضد القرار الأميركي. فمشكلتنا تتمثل -عادةً- بضعف قصتنا السياسية إعلامياً، وقد لاحظنا كيف أنّ أغلبية الخطوات التي قام بها الأردن في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس جرى تحريفها وتشويهها من قبل كثيرين، ولا داعي لسرد أمثلة كثيرة على ذلك. لكن من الضروري أن نقوم بواجبنا الدبلوماسي والإعلامي اليوم، وأن نضع الجميع أمام مسؤولياتهم السياسية والأدبية، حتى لا يخرج غداً من يتهم الأردن بالتآمر والتواطؤ مع ما سيحدث في القدس!