على وقع سير المعارك ضد الإرهاب، سواء تلك التي تقودها القوات العراقية لتحرير مدينة الموصل، أو تلك التي تقودها قوات الجيش العربي السوري في أكثر من منطقة في سوريا، يتبين حجم التسليح والدعم المقدم للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيما “داعش والنصرة” ذراعا تنظيم القاعدة الإرهابي.
فأن يمتلك تنظيم إرهابي كتنظيم “داعش” من العتاد العسكري ما لا تمتلكه جيوش العديد من دول العالم مثل الطائرات بدون طيار للقيام بها بعمليات استطلاع ومراقبة، وشن هجمات، فهذا يكشف جانبًا كبيرًا من الحقيقة بأن “داعش” وغيره من مشتقات القاعدة ما هو إلا صناعة للاستخبارات الغربية والأميركية والإسرائيلية وبمساعدة إقليمية، وبالتالي حين تصل التنظيمات الإرهابية إلى هذه الدرجة من تملك السلاح ليفوق قدرة دول ذات إمكانيات، فإن الأمر يتعدى حدود المعلن من الشعارات الكاذبة والفضفاضة إلى حقيقة الأهداف التي تقف خلف هذه الشعارات.
القائد العسكري الأميركي بريت سيلفيا الذي يشرف على وحدة أميركية “لتقديم الدعم والاستشارة” في العراق قال إن مقاتلي “داعش” يربطون ذخائر صغيرة بطائرات مسيرة لقتل عناصر القوات العراقية التي تحاول استعادة مدينة الموصل، المعقل الأخير للتنظيم الإرهابي في العراق. وأضاف “رغم أن حجم الذخائر ليس أكبر من قنبلة يدوية صغيرة فإنها تكفي للحصول على النتيجة التي يريدها تنظيم “داعش” وهي القتل بدون تمييز”.
إن هذا الأسلوب من الهجمات الذي يلجأ إليه إرهابيو “داعش” ووسط الحرية التامة في استخدام هذه الطائرات المسيرة، لا يختلف عن الحرية التامة والمطلقة لجحافل التنظيم الإرهابي في الانتقال من العراق إلى سوريا والعكس صحيح في صحراء مفتوحة، وسماء تغطيها طائرات تحالف الولايات المتحدة البالغ عدد دوله ستين دولة، وبالتالي لو لم يكن ثمة تواطؤ وأجهزة استخباراتية لها ثقلها وأموال مغتصبة ومستباح بها حقوق أصحابها، تعمل على دعم التنظيمات الإرهابية كافة وتدريع إرهابها وترعاها، وفي مقدمتها “داعش والنصرة” ومدها بما تحتاجه ليس فقط من العتاد العسكري والمؤن الغذائية والدوائية، وإنما أيضًا مدها بالمعلومات والإحداثيات، لكانت هذه التنظيمات الإرهابية وتحديدًا “داعش” عرضة لمحرقة وسط الصحراء العراقية الممتدة حتى سوريا.
والسؤال الذي يطرح نفسه حيال جملة هذه المواقف والتحركات الداعمة للإرهاب هو: من أين أتى تنظيم “داعش” وأخواته من التنظيمات الإرهابية بالأموال ليشتري هذا النوع من الطائرات بدون طيار؟ وإذا كانت الذريعة هي أنها من عائدات النفط الذي يسرقه التنظيم الإرهابي من العراق وسوريا، فما الدول التي تشتري منه هذا النفط المسروق؟ أوليس مجرد عملية الشراء دعمًا للإرهاب؟ فما بال بالدول المصنعة لهذا النوع من الطائرات التي قبلت بأن تمد الإرهاب به؟ وأين منظمة الأمم المتحدة من كل هذا؟ ولماذا تغض النظر عن هذه الموبقات والجرائم إن كانت صادقة في مواقفها حيال الأزمتين العراقية والسورية؟ ولماذا تأتي تقاريرها مؤيدة لباطل الواقع، ومساندة للتنظيمات الإرهابية، فضلًا عن استنادها إلى ما تروجه هذه التنظيمات الإرهابية وداعموها، ولم تكلف نفسها العناء للوقوف على حقيقة الأمور من جميع زواياها، فمثلما تسمع من التنظيمات الإرهابية وداعميها تسمع من الطرف الآخر المكتوي بنيران إرهاب هذه التنظيمات وتدليس ونفاق داعميها؟ أوليست العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش العربي ـ وكما تتذرع واشنطن ـ تستند إلى تقارير صادرة عن الأمم المتحدة؟ كيف يتأتى فرض عقوبات على من يحارب الإرهاب ويبقى في المقابل داعمه طليقًا ومستمرًّا في دعم تنظيماته؟ أوليست هذه الشرعة أقرب إلى شرعة الغاب يحاول فيها القوي أن يفرض إرادته وظلمه وباطله وشره على الآخرين؟
إن كل ذلك لا يخرج عن الحقيقة الثابتة وهي أن صناعة الإرهاب وتوليد تنظيماته ودعمها بشتى ألوان القتل والسموم، وتعبئتها بمختلف المعتقدات والأفكار والتوجهات الخارجة عن الإسلام والقانون والعدالة والفطرة السليمة والعقل، هي وسيلة وأداة لتدمير المنطقة ورسم خريطتها لصالح كيان الإرهاب والاحتلال الإسرائيلي في المنطقة. فبعثرة الدول العربية الحاصلة الآن وخاصة الدول التي تقف مواقف عربية وقومية مشرفة من هذا الاحتلال، وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم مقاومته وشعوب المنطقة كافة، لا تصب (هذه البعثرة) إلا في سلة واحدة، وهي سلة مشروع الاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك ما يحدث حقيقة، هو إدارة الإرهاب وتنظيماته من قبل المعسكر المتآمر الذي وضع مخطط تدمير دول المنطقة، وإدارة الأدوات وتوظيفها لإنجاز هذا المخطط، وإلا فإن الطائرات بدون طيار ليس لما حلقت في سماء العراق وسوريا، وإنما لما وصلت إلى تنظيم “داعش” الإرهابي وبقية التنظيمات الإرهابية، ولما تكاثرت أعداد هذه التنظيمات الإرهابية لتصل إلى المئات، ولما وصل عديد إرهابييها إلى مئات الآلاف.
الطائرات المسيرة من أين أتى بها داعش؟/خميس التوبي
15
المقالة السابقة