بحسب النقاد السينمائيين فان ” ماستر سين ” فيلم المخدوعون للمخرج توفيق صالح ، تمثل في فتح ” أبو الخيزران ” لباب صهريج الماء ،ومناداته باسم أسعد …أسعد … حيث لا يلقى أي اجابة ، لأن جميع من في ” الخزان ” ماتوا بسبب التأخر على نقطة الحدود .
ويسير خزان ” أبو الخيزران ” في الصحراء ، حيث يلقي جثث الرجال على مكب نفايات ، ثم يواصل رحلته في صحراء قاحلة ، في مشهد سينمائي معبر جدا ويختزل رسالة الفيلم المأخوذ عن رواية ” رجال في الشمس ” للكاتب غسان كنفاني .
مناسبة الحديث السابق ما نشهده من تنامي للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الأردن منذ سنوات عديدة ، فيما لم تحاول أي حكومة اصلاح الخلل الاقتصادي وتبني خطة استراتيجية واضحة المعالم من شأنها القضاء على عجز الموازنة وتخفيض المديونية .
فلا تزال الحكومات المتعاقبة تتعاطى مع موضوع الأزمة الاقتصادية من منظور واحد يخضع لاملاءات صندوق النقد الدولي ، والذي ثبتت سياساته المدمرة لكل دولة تخضع لشروطه وسياساته التخريبية والعبثية، حيث ان التشخيص الخاطىء لأي أزمة يقود بالضرورة الى اتباع منهج خاطىء وبالتالي الوصول الى نتائج سلبية تفاقم من الوضع القائم .
لقد باتت تطلعات المواطن تتركز حول ترشيد النفقات الحكومية ومحاربة الفاسدين الذين نهبوا ثروات البلد وهدموا كل الانجازات الوطنية ، والكل يصرخ بأهمية سيادة القانون ، فيما الجميع يشارك في خرق القانون ، اضافة الى ان المواطن بات عاجزا عن فهم الدور الحقيقي لمجلس النواب ازاء ما يشاهده من تقارير توضح ضعف أداء النواب وتورط البعض الآخر في قضايا قانونية .
بالفعل بتنا بحاجة ماسة وضرورية الى حكومة انقاذ وطني ، تجيد رسم السياسات الاستراتيجية وتحديد أولويات المشاريع التنموية التي يجب الاسراع في تنفيذها ، الا أننا نرى التخبط في السياسات الحكومية ما زالت تتصدر المشهد السياسي الأردني ، فما حاجة الشعب الى ما يسمى بمجالس المحافظات ( اللامركزية ) مع ما يجره ذلك من أعباء اضافية وتحميل الخزينة تكاليف اضافية لا نعرف كيفية تدبيرها ، اذا ما علمنا بأن كل عضو في مجلس المحافظة سيصرف له مكافآت ، ناهيك عن التكاليف الباهظة التي تكتنف العملية الانتخابية لمشروع ما يسمى باللامركزية .
لماذا يتعين علينا ، اتباع نفس الأساليب التي أوصلتنا الى هذه الظروف الصعبة التي جعلت كل مواطن يرزح تحت ثقل وطأتها وتداعياتها على المستوى المعيشي وحتى الاجتماعي والفكري ، فلا يمكن فصل الحياة الفكرية والاجتماعية و السياسية عن ما يكتنف المسار الاقتصادي من اختلالات زلزلت طمأنينة المواطن وجلبت اليه الكوابيس المقلقة في الليل والنهار .
هل يمكن أن تصل الدولة الى بر الأمان بالنظر الى تراجع الاستثمارات واغلاق المصانع السنوي واتخاذ الدولة لدور المراقب لما يجري من تراجع دون اتخاذ اجراءات فاعلة وحقيقية لاعادة الأمور الى مسارها الصحيح وتبني الدولة لاطلاق مشاريع انتاجية وفق دراسات مختصة من شأنها اعادة القدرة التشغيلية واعادة ثقة المستثمر الأجنبي بالمناخ الجاذب للاستثمار ومكافحة البطالة والفقر وتحقيق التنمية التي ننادي بها .
يتعين علينا ادراك ان المواطن الأردني يرزح تحت ضغوطات كبيرة ، فيتوجب اتخاذ قرارات عاجلة جريئة وتصحيحية تنبثق من راسمي السياسة الأردنية ، بعيدا عن نصائح الخراب التي ينعق بها صندوق النقد الدولي ، اضافة الى التخلي عن سياسات الخصخصة التي أوصلت البلد الى طريق مسدود .
ويبقى لنا أن ندرك ان المواطن الأردني قادر على التحمل لبضع سنوات الفقر والضغوطات الاقتصادية فيما اذا عرف ان هناك تباشير بنهايات قريبة لمحنته على المستوى المعيشي ، أما ان نبقى نخضعه لسياسات الافقار واهلاكه بالضرائب المتعاظمة يوما اثر يوم ، فاننا بذلك نقتله بشكل يومي بدلا من الاستثمار بالانسان كما ننادى جهارا نهارا ، ولا يمكن لنا الا ان نتوقع مشهد ” ماستر سين ” فظيع وسوداوي للنهج الاقتصادي المريع .