صار من الضروري العمل لعقد لقاء وطني سوري تحضيري، بعد فشل المؤسسات التمثيلية القائمة في الارتقاء إلى مستوى التحديات، وفي وقف تدهور الأوضاع العامة للثورة، ناهيك عن قيادة العمل الوطني، وتحقيق انتصارات سياسية وعسكرية تفضي إلى ما يصبو السوريون إليه من حرية وكرامة، وخلاص من نظام الأسد.
لا يهدف اللقاء إلى إزاحة هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعارضة الوطنية عن موقعه من الحياة الوطنية، بل تكمن مهمته في إزالة ما وقع من أخطاء، والتصق بالعمل الوطني من نواقص وعيوب خلال سنوات الثورة، وفي وضع برامج استباقية، وخطط تنفيذية تصحّح مسار العمل السياسي والعسكري، وتحدّد شروط (ومستلزمات) تناميه المتدرج، المتواصل والحثيث الذي يوحّد نضال السوريات والسوريين داخل الوطن وخارجه، وإلى أية منظمة وطنية انتموا، ويقرّ توجهات تستنهض الحاضنة الاجتماعية: حاملة الحراك بالأمس القريب التي قوّضها ثم كتم أنفاسها جهد متكامل بذله النظام والإرهاب المتأسلم، ولا انتصار أو ثورة بعد حلب من دون دحره، واستعادة الحراك المجتمعي الثوري من جديد وتنظيمه، وتمكين ممثليه من احتلال موقعهم وممارسة دورهم الحاسم الأهمية في الثورة، كقادة للصراع الدائر في بلادنا في ظرفه الراهن شديد الصعوبة الذي ترتب على العدوان الروسي والغزو الإيراني، وعلى استيلاء تنظيمات السلفية الجهادية على مفاصل رئيسة في بلادنا، كما على تداخل ثورتي الحرية والتحرّر الوطني، وما أفضى إليه من تحدّياتٍ لم تتم مواجهتها.
بعد كارثة حلب، تمس حاجتنا إلى لقاءٍ وطنيٍّ، يعالج ما أنزله العدوان والغزو الاستعماري بنا من هزائم علينا مواجهتها بصدق وواقعية، وسبّبته فوضى التأسلم المتعسكر والإرهابي من كوارث، بعد أن اخترقت تنظيماته الثورة وجوّفتها من الداخل، وأزاحت مشروع الحرية والعدالة والمساواة السلمي والمجتمعي الذي تبنته عام الثورة الأول قطاعاتٌ مجتمعيةٌ واسعةٌ من السوريات والسوريين. هذا اللقاء الذي سيكون عليه تلمس كل ما هو ضروري من أعمال منظمة من أجل إنقاذ الثورة واستئناف مشروعها الأصلي، ليمنع سقوط المشروع الجهادي/ الإرهابي في حلب من أن يتحول إلى إسقاط للثورة، ويخرجه منها عبر صب جهود السوريين على استئناف مشروعهم الأصلي بقوى حواضنهم الشعبية التي جعلت منه ثورةً بأفضل معاني الكلمة.
والآن، وقد حدّدت مهام اللقاء، لا مفرّ من التطرّق إلى جوانبه الإجرائيه/ العملية التي يجب أن تبدأ بتشكيل لجنةٍ تحضيريةٍ تضم أشخاصاً ذوي خبرة وموثوقين، ليقوموا بجرد شامل لواقع
“ثمة حاجة إلى عمل إنقاذي، لم يعد مقبولاً على الإطلاق التساهل في إنجازه، فهل نفعل؟” سورية الراهن من مختلف جوانبه، ويرسموا خريطة تفصيلية لأوضاعه وقواه، تتصف بالموضوعية والنزاهة، وتغطي قطاعاته السياسية والعسكرية والمدنية وأوضاع النظام والروس والإيرانيين وملحقاتهم، وتحدّد نقاط قوة وضعف مختلف الأطراف بالطريقتين الوصفية والتحليلية، لتقدّم، في النهاية، توصيات عملية تطاول دور الأول (الصديق) وتأثير الثاني (العدو)، وتحدّد من سيدعون إلى اللقاء، وجدول أعماله الذي سيدور حول نقطة جوهرية: خطط استئناف ثورة الحرية وآلياته، بتخليصها من العوالق المتأسلمة والإرهابية والطفيلية التي حرفتها عن هدفها وقوّضت حاملها المجتمعي، وطمست برنامجها الداعي إلى الحرية والمتمسّك بوحدة الشعب السوري، وأوصلتها إلى حافة الانهيار قبل حلب، وخلال معركتها الأخيرة، وتهدّد أنشطتها بالقضاء النهائي والناجز على مجتمع سورية وثورتها. سيوزع هذا الموضوع على نقاطٍ جزئيةٍ تغطي جميع مفرداته، وتقدّم صورة مطابقة قدر الإمكان للواقع السياسي/ العسكري الذي آلت الأوضاع العامة إليه، وترتب على نواقص جوهرية في الحراكين، النظري والعملي، حالت دون تحول التمرد المجتمعي الهائل إلى ثورةٍ بالمعنى الصحيح للكلمة، وكيف يكون ثورة إن كان يفتقر إلى قيادة موحدة وفاعلة، ولا يخضع العسكري فيه للسياسي، ولا يتعايش معه، ولا ينضبط بأسس ومصالح عملهما المشتركة، ويعجز، أخيراً، عن جسر الهوّة التي ما فتئت تتعاظم بين التنظيمات السياسية والواقع، وحالت دون قيام أي منها بما هو ضروري لحماية المجتمع من التمزيق والتهجير والإبادة، بيد الغزاة والمعتدين، وبالأخطاء الفادحة التي ارتكبتها المعارضة وصحّحها الشعب بدماء ضحاياه الذين كان عددهم سيتقلص كثيراً، لو توفرت قيادة وطنية ثورية تلتزم الفصائل العسكرية بقراراتها، أو كانت الفصائل نفسها منظمةً بطرقٍ مختلفة، تجعل منها مقاومةً شعبيةً ومنظمةً، لها برامج عمل يقيس تطبيقها نجاح عملها من فشله.
سيستدرك اللقاء هذه النواقص، وسيصحّح هذه العيوب، وسيرسم خريطة دقيقة، نظرية وعملية، لكيفية إعادة الثورة إلى مسارها الأول الذي يضعها من جديد على عتبات تحولها إلى ثورةٍ لها حامل وطني، ترشده خطط وبرامج معلنة تحظى بتأييده ومساندته. لن تعالج الحلول العملية النقص والخلل على الجانب السياسي وحده، ولا بد أن تتناول الجانب العسكري، وتبلور تصوراتٍ عمليةً حول إعادة بنائه بطرقٍ تتجاوز الفصائلية وتنظيماتها الراهنة، وتستبدلها بمنظومة دفاع متراتبة تبدأ من قاع المجتمع، من مشاركة المواطن العادي في الدفاع عن نفسه وموطنه، من أصغر قرية إلى أكبر مدينة، على أن تكتمل قوات الدفاع الوضعي الثابتة بقوات متحرّكة على صعيد مناطقها، وجيش محترف على الصعيد الوطني، وتشكل من هذه المكوّنات الثلاثة قوة عسكرية موحدة تشن هجمات استراتيجية سنوية ومنسّقة تغطي كامل الأرض السورية، بهدف طرد النظام وحلفائه من مناطق تقيم فيها سلطات دولة بديلة، يضمن دستورها وعمل مؤسساتها الحرية والعدالة والمساواة لجميع مواطناتها ومواطنيها بلا تمييز أو إقصاء، ويجرّم الطائفية والعدوان على الشعب، ويعاقب ممارسيهما أو الداعين إليهما.
بعد انعقاد اللقاء التحضيري، وإقرار ما يقدم إليه من خطط، ويتخذ فيه من قرارات، من
“سيكون على المؤتمر تلمس كل ما هو ضروري من أعمال منظمة من أجل إنقاذ الثورة واستئناف مشروعها الأصلي” الضروري عقد مؤتمر وطني خلال شهر إلى ثلاثة أشهر، يناقش أعضاؤه المنتخبون، أو المنتدبون ديمقراطياً، ما أنجزه اللقاء من وثائق ورسمه من استراتيجيات ويقرّونه، وينتخبون مرجعية وطنية/ ثوريةً، تتولى ترجمتها إلى عمل ميداني مترابط، كثيف ومتصاعد، تطبقه مؤسسات السلطة البديلة في الواقع الوطني، بمعونة هيئات (ومؤسسات) الحكم المحلي التي تدير شؤون السوريات والسوريين بطرقٍ تجسّد قيم الثورة ونرعتها الإنسانية.
لا بد من انتقال شامل يأخذنا من حالنا الراهنة إلى وضع بديل، يوقف تدهورنا الذي بلغ درجة الانهيار في حلب، ويستأنف ثورة الحرية من حيث أوقفها تكامل الجهد الأسدي/ الإرهابي المعادي لها، ليعيدنا إلى معادلتها الأصلية التي جعلت الحرية والديمقراطية بديل نظام الأسد الاستبدادي، لكن الأصولية الجهادية المسلحة أزاحتها، لتجعل إرهابها بديل إرهاب الأسدية، وتقنع العالم أن سفاح سورية الذي يقتل شعبه أفضل لها من سفاحي الإرهاب الذين سيقتلون شعوبها، وأن عليهم دعمه، خصوصاً بعد أن شرعت الثورة تتلاشى في كل مكان، وسط هزائم عسكرية تنزل بها، وهدن متتابعة تأكل حاضنتاها المجتمعية.
ثمة حاجة إلى عمل إنقاذي، لم يعد مقبولاً على الإطلاق التساهل في إنجازه، فهل نفعل ذلك، ونكون في مستوى التحدّي، قبل فوات الأوان؟