نالت حكومة هاني الملقي ثقة نيابية مريحة بعد تشكيلها، لكن كما كتبت في هذه الزاوية يومها، فإن الثقة لاتعني أغلبية مستقرة ودائمة للحكومة، ويمكن أن تنقلب ضدها في مراحل لاحقة، لأنها باختصار ليست قائمة على أساس برامجي متفق عليه بين الطرفين.
وهذا كان بالفعل؛ فبعد أسابيع قليلة على “حفل” الثقة، كان بعض من منحوا الثقة للحكومة أول الموقعين على مذكرة لحجب الثقة عن أحد أبرز أقطاب الوزارة؛ وزير الداخلية سلامة حماد.
وفي مناقشات عامة لقضايا عديدة، عانت الحكومة من انتقادات حادة كان مصدرها نواب الثقة.
قريبا سنشهد تمرينا حيا على الحالة الفوضوية، عندما يشرع مجلس النواب في مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة. فالاتجاه العام بين النواب سيقف في الضد من برنامج الحكومة الاقتصادي الذي يتضمن إجراءات صعبة من قبيل رفع ضريبة المبيعات، وزيادة رسوم، لتوفير النفقات المدرجة في الموازنة.
ويقول مراقبون، إنه من الصعوبة بمكان تمرير الموازنة تحت القبة، بدون “حلول خلّاقة” أثناء التصويت برفع الأيدي على مواد القانون، ومن ثم على مشروع الموازنة كاملا.
هذه الحالة ستبقى ملازمة لعلاقة الحكومة والنواب مادامت الحكومة لاتعتمد على قاعدة نيابية متماسكة، تضمن لها الأغلبية اللازمة لتمرير قراراتها وسياساتها.
لكن وفي غياب كتل برلمانية برامجية، باستثناء كتلة واحدة تقريبا، تقف أوتوماتيكيا في صف المعارضة، لاتجد الحكومة وسيلة لممارسة عملها سوى الاعتماد على طريقة اللعب المفتوح، فتناور على كل الكتل، وتجتهد لكسب الولاءات الفردية للنواب مقابل خدمات إضافية. ولا يجد رئيس الوزراء، كما يحصل في مرحلة الثقة، سبيلا لضمان الأغلبية سوى تكليف كل وزير بملاحقة عدد محدد من النواب لإقناعهم بالتصويت لصالح الحكومة، وفي آخر النهار، عليهم أن يعودوا بالحصيلة، لغايات إحصاء الغلّة، واستكمال المهمة في اليوم التالي.
النواب ليسوا أحسن حالا؛ ففي سعيهم لتحقيق مطالبهم الخدمية، يمضون يومهم في التنقل بين مكاتب الوزراء. والمؤسف أنه حتى الآن لم تنشأ آلية مؤسسية تنظم هذا الجانب من علاقة الحكومة والنواب.
مشكلة النواب أنهم يشكلون الكتل، ويتصارعون أياما على تركيبتها، وما إن يتم الإعلان عنها، حتى يديرون لها ظهورهم. وبالنتيجة تتحول الحياة البرلمانية والسياسية إلى ملهاة في نظر جمهور عريض ناقم من السلطتين، يدعو لرحيلهما اليوم قبل الغد.
لايمكن أن نستمر على هذه الحال. صحيح أن إصلاح الحياة البرلمانية، يتطلب مراجعة جذرية لواقع الحياة الحزبية والسياسية في البلاد، لكن هناك فرصة لتحسين ولو طفيف على الواقع القائم.
المؤسف أن ما من طرف في الدولة يساعد على تحسين أداء السلطات، ويدفع باتجاه تطوير العلاقة على أسس حديثة. كل طرف يسعى لتوظيف الآخر لمصلحته، وعلى نحو مهين أحيانا.
حكومة الملقي، كما مجلس النواب، ماتزال في بداية عهدها، ولا يمكن للطرفين أن يضمنا الصمود أربع سنوات، وهما على هذا الحال. لابد من التفكير بحلول خارج الصندوق، لعبور المحطات الصعبة التي تواجه البلاد، وصون كرامة السلطتين، واستعادة ما يمكن استعادته من ثقة الناس.