عروبة الإخباري- تشهد السياسة الخارجية التركية تحولات متلاحقة خلال الأشهر الأخيرة تماشياً مع التحولات المتسارعة التي ضربت المنطقة وكبدت أنقرة خسائر سياسية واقتصادية كبيرة جداً، الأمر الذي دفعها إلى إعادة تقييم علاقاتها مع روسيا وإسرائيل والعراق، بالإضافة إلى مراجعة موقفها من الأزمة السورية.
وفي خطوة يعتبرها محللون «متأخرة» تسعى الحكومة التركية إلى تحسين علاقاتها مع دول الجوار والدول المحورية في المنطقة بعد أن تحولت سياسة «صفر المشاكل» التي كانت شعار السياسة الخارجية التركية طوال السنوات الماضية إلى «صفر أصدقاء»، حسب المعارضة التركية.
وبعد أن وصل الاحتقان والتراشق الإعلامي إلى مستوى غير مسبوق وتطور إلى حد التهديد المتبادل بين المسؤولين العراقيين والأتراك، أعلنت الحكومة التركية أنها بصدد فتح «صفحة جديدة» في العلاقات مع الحكومة المركزية في العراق وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين.
والسبت، وفي خطوة مفاجأة، هاتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وبحث معه «العلاقات الثنائية بين البلدين، والجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب»، وقالت مصادر في الرئاسة التركية: «الطرفان أكدا على أهمية تعزيز الحوار المباشر بين أنقرة وبغداد، وأن التطورات الأخيرة في هذا الصدد تبعث على الارتياح».
وشدد الجانبان على «ضرورة مواصلة العمل المشترك لمواجهة كافة المنظمات الإرهابية، وعدم السماح للإرهاب بزعزعة استقرار المنطقة»، وأعرب أردوغان والعبادي عن أملهما في أن يكون 2017، «وسيلة لجلب السلام والاستقرار إلى دول المنطقة، وفي مقدمتهما تركيا والعراق».
والاثنين، قال قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش إن «العلاقات التركية العراقية عادت للانطلاق مجددًا بعد وصولها إلى نقطة الانهيار»، كاشفاً النقاب عن أن «رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، سيجري زيارة رسمية إلى العراق يتناول فيها مع المسؤولين العراقيين قضايا ذات اهتمام مشترك بين البلدين، ومسائل تخص مكافحة الإرهاب».
مصادر في رئاسة الوزراء التركية أوضحت أن يلدريم سيقوم بإجراء زيارة رسمية إلى العاصمة العراقية بغداد يومي 5 – 6 كانون الثاني/ يناير الحالي. حيث من المقرر أن يزور يلدريم محافظة أربيل (شمال) إلى جانب العاصمة بغداد.
وفي كلمته الأسبوعية أمام الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم، قال يلدريم، أمس الثلاثاء: «لن نكون في أمان إن لم يكن هنالك سلطات قوية في العراق وسوريا، ولذلك بدأنا بتوطيد علاقاتنا مع روسيا وإسرائيل، علاوة على ذلك نجحنا في التوصل إلى اتفاق مع روسيا حول وقف إطلاق للنار في سوريا.. كما أننا أطلقنا مرحلة جديدة لتوطيد العلاقات مع العراق». ولفت إلى أنه سيزور العراق خلال هذا الأسبوع، وسيشدد على تضامن بلاده مع العراق في مكافحة الإرهاب.
وكانت الخارجية التركية أدانت، الاثنين، التفجيرات التي ضربت العاصمة العراقية بغداد وأوقعت قرابة 50 قتيلاً. وقالت: «إن تركيا المستهدفة من قبل المنظمات الإرهابية والتي فقدت مواطنين لها في مثل هذه الهجمات الشنيعة، هي أفضل من يفهم معاناة الشعب العراقي»، مؤكدة على أن «تركيا والعراق سيواصلان العمل على تعزيز أواصر التعاون بينهما في إطار محاربة الإرهاب».
ودفع تصاعد الهجمات الإرهابية في تركيا الحكومة إلى العمل بشكل غير مسبوق على إنهاء الحرب في سوريا والعراق، وتمثل ذلك في اتفاق وقف إطلاق النار والتعاون مع روسيا للتوصل لحل نهائي في سوريا، إلى جانب دعم جهود السلطات العراقية في استعادة الأراضي من تنظيم الدولة لوقف الفوضى وانتشار السلاح في هذه البلدان الأمر الذي سيساعد أنقرة في السيطرة على حدودها الممتدة على طول أكثر من 1300 كيلومتر مع سوريا والعراق والتي تعتبر مصدر الأسلحة والانتحاريين الذين ينفذون الهجمات على أراضيها.
وطوال السنوات الماضية تراجعت العلاقات التركية بشكل تدريجي في ظل اتهام أنقرة للحكومة المركزية في بغداد بإتباع سياسة طائفية واتهام العراق لتركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، لكن هذه الخلافات وصلت إلى ذروتها مع الإعلان عن عملية استعادة مدينة الموصل قبل أشهر وتهديد العراق بمهاجمة القوات التركية المتواجدة في معسكر بعشيقة للجيش التركي في شمال العراق بعد أن رفضت أنقرة سحب قواتها.
وفي ظل هذا التوتر شن أردوغان هجوماً غير مسبوق على العبادي وطالبه بـ«إلتزام حدوده» بعد أن سخر منه بالقول: «من هو هذا؟ رئيس الوزراء العراقي! اعرف حجمك أولا»، فيما اعتبرت العراق أن أردوغان «يصب الزيت على النار» وهدد بالتوجه إلى المجتمع الدولي لحل خلافاتها مع تركيا.
وتخشى تركيا أن تؤدي عملية الموصل إلى تغيير التركيبة السكانية في شمال العراق، وتحذر من تهجير السنة والتركمان من مناطقهم التاريخية في الموصل وتلعفر والمناطق المحيطة بهما، كما تقول إن تنظيم بي كا كا الإرهابي تمدد ويسيطر على مدينة سنجار.
وإلى جانب التحولات السياسية، لعب الاقتصاد دوراً هاماً في توجهات الحكومة التركية الأخيرة، لا سيما وأن توتر علاقات أنقرة من روسيا ومصر والعراق أدى إلى تراجع الاقتصاد التركي بشكل كبير، حيث تسعى تركيا للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع العراق الذي يعتبر من أكثر الدول المستوردة للبضائع التركية.(القدس العربي)