حتى أسابيع قليلة، لم يكن هناك شك في أن الأوضاع الاقتصادية ستحتل سلم الأولويات الأردنية في العام الجديد. ومع انهماك الحكومة والبرلمان في مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة، تتبدى منذ الآن مؤشرات قوية على ما يمكن أن ينطوي عليه العام 2017 من تحديات اقتصادية غاية في التعقيد.
لكن الأحداث الأمنية التي شهدتها الكرك، ومن بعد الشوبك بدرجة أقل، ترقى لأن تكون نقطة تحول في الحرب المفتوحة مع الجماعات الإرهابية، ستعصف من دون شك بأولويات الدولة الأردنية، وتفرض مراجعة عميقة تظهر آثارها في الأشهر المقبلة.
في غضون أيام قليلة، أصدر تنظيم “داعش” الإرهابي بيانين خاصين بالأردن. تبنى في الأول العملية الإرهابية في الكرك، وفي الثاني حضّ أنصاره في الأردن على تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية، أينما توفرت لهم الأهداف.
سبق للتنظيم أن حثّ أتباعه ومريديه في الأردن على تنفيذ أعمال إرهابية في المملكة، بعيد جريمتهم النكراء بحق الشهيد الطيار معاذ الكساسبة. لكن تلك الرسالة “فيديو” لم تجد لها صدى في الأردن.
البيان الأخير يمثل هو الآخر اختبارا لقدرات التنظيم الكامنة في أحشاء المجتمع الأردني. لكن، ومن دون مبالغة أو تطير، لا بد أن السلطات الأمنية قد تعاملت مع البيان المذكور بأعلى درجات الجدية، بدليل نشرها المئات من رجال الأمن في الشوارع بالتزامن مع احتفالات رأس السنة الجديدة، بالرغم من تراجع أغلبية المهتمين بهذه المناسبة عن خططهم للاحتفال في الأماكن العامة، أو حضور حفلات جماعية.
غير أن التحدي لا يقتصر على ليلة عابرة، ربما كان الإرهابيون يخططون لسبغها بالدماء، قبل أن ينكشف أمرهم صدفة في القطرانة؛ بل بما تحمل المحاولة من دلالات مستقبلية لا نملك تصورا حيالها. ولهذا، فإن حالة الاستنفار الأمني لن تقف عند حدود اليوم الأخير من السنة، وهي مرشحة لأن تصبح نهجا أمنيا مع بداية عام جديد حافل بالمخاطر والتحديات، خاصة مع انهيار معاقل التنظيم الإرهابي في سورية والعراق، واحتمال تشتت مقاتليه على امتداد جغرافيا المنطقة المحيطة بالبلدين. ولنا بين هؤلاء حصة جزلة من الإرهابيين المدربين.
في السنوات الأربع الماضية، اضطرت الحكومة لزيادة مخصصات الدفاع للوفاء باحتياجات الجيش والأجهزة الأمنية، لضمان أمن الحدود مع بلدين مجاورين، ومنع انتقال الفوضى الهدامة إلى بلادنا. وفي العام المقبل، سنكون مجبرين على ضخ المزيد من الأموال للقيام بمهمات إضافية، ليس لحماية الحدود فقط، بل أيضا رفع جاهزية قوى الأمن الداخلي لمواجهة خطر العمليات الإرهابية، الذي أصبح أمرا واقعا بعد عملية الكرك.
الأشهر الأولى من السنة الجديدة ستكون حاسمة لجهة إعادة تقييم الوضع، والتوصل لتقدير موقف جديد لمستوى الخطر الذي تمثله خلايا التنظيم الإرهابي، والاستراتيجية التي ينبغي اتباعها لخفض مستوى هذا الخطر إلى أدنى حد ممكن.
أقول “حاسمة”، لأن القلق العام بعد الأحداث الأخيرة، بلغ مستوى غير مسبوق، ولا يمكن تركه من دون معالجة؛ ولأن النشاط الاقتصادي سيبقى في أدنى مستوياته، إن لم نتمكن من استعادة الثقة في أسرع وقت.
لأول مرة يشعر الأردنيون في الأسابيع الأخيرة بأن بلادهم جزء من هذا الإقليم المضطرب، وليس جزيرة آمنة كما كانت من قبل.